أقلام مبدعة | اضافة رابط يوتيوب | نجم الأسبـــوع | اضافة خلفية للموضوع | إبداعاتِكم | قوانين مجتمع غلاك |
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#7 |
![]() فراشة آيلول ![]() |
![]()
البراء
جزاك الله خير |
![]()
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
![]() |
![]() |
#8 |
![]() ![]() |
![]()
تابع – مقدمات في الأخلاق والسلوك
فضائل التخلق بالأخلاق الحسنة 1- الأخلاقُ الحَسَنةُ من أسبابِ دُخولِ الجَنَّةِ: قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنا زَعيمٌ ببَيتٍ في رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَن تَرَكَ المِراءَ وإن كان مُحِقًّا، وببَيتٍ في وسَطِ الجَنَّةِ لمَن تَرَكَ الكَذِبَ وإن كان مازِحًا، وببَيتٍ في أعلى الجَنَّةِ لِمَن حَسُن خُلُقُه)) . عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((سُئِل رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أكثَرِ ما يُدخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، فقال: تَقوى اللهِ وحُسنُ الخُلُقِ، وسُئِل عن أكثَرِ ما يُدخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فقال: الفَمُ والفَرجُ)) . 2- الأخلاقُ الحَسَنةُ سَبَبٌ في مَحَبَّةِ اللهِ لعَبدِه: وقد ذَكَرَ اللهُ تعالى مَحَبَّتَه لمَن يَتَخَلَّقُ بالأخلاقِ الحَسَنةِ، والتي منها الصَّبرُ والإحسانُ والعَدلُ وغَيرُ ذلك، فقد قال اللهُ تعالى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 195] . وقال أيضًا: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران: 146] . وقال أيضًا: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [المائدة: 42] . وسُئِل صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فمَن أحَبُّ عِبادِ اللهِ إلى اللهِ؟ قال: أحسَنُهم خُلُقًا)) . 3- الأخلاقُ الحَسَنةُ من أسبابِ مَحَبَّةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ من أحَبِّكُم إليَّ وأقرَبِكُم منِّي مَجلِسًا يَومَ القيامةِ أحاسِنَكُم أخلاقًا)) . 4- مَكارِمُ الأخلاقِ أثقَلُ شَيءٍ في الميزانِ يَومَ القيامةِ: قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما من شَيءٍ أثقَلُ في الميزانِ من حُسنِ الخُلُقِ)) . 5- الأخلاقُ الحَسَنةُ من أسبابِ رِفعةِ الدَّرَجاتِ: قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ المُؤمنَ يُدرِكُ بحُسنِ خُلُقِه دَرَجاتِ قائِمِ اللَّيلِ صائِمِ النَّهارِ)) . وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ المُسلِمَ المُسَدَّدَ ليُدرِكُ دَرَجةَ الصَّوَّامِ القَوَّامِ بآياتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ لكَرَمِ ضَريبَتِه وحُسنِ خُلُقِه)) . 6- الأخلاقُ الحَسَنةُ علامةٌ على كَمالِ الإيمانِ: عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أكمَلُ المُؤمنينَ إيمانًا أحسَنُهم خُلُقًا، وخيارُكُم خيارُكُم لنِسائِهم)) . ( يتبع – مصادر الأخلاق الإسلامية ) |
![]()
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
![]() |
![]() |
#9 |
![]() ![]() |
![]()
تابع – مقدمات في الأخلاق والسلوك
مصادِرُ الأخلاقِ الإسلاميَّةِ يُمكِنُ أن نُجمِلَ مَصادِرَ الأخلاقِ الإسلاميَّةِ في مَصدَرَينِ رَئيسَينِ، هما أعظَمُ ما تُستَمَدُّ منه هذه الأخلاقُ: كِتابُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وسُنَّةُ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصَّحيحةُ: فالقُرآنُ الكَريمُ هو المَصدَرُ الأوَّلُ للأخلاقِ، والآياتُ التي تضمنَّت الدَّعوةَ إلى مَكارِمِ الأخلاقِ والنَّهيَ عن مَساوِئِها كَثيرةٌ؛ منها قولُه تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90] . وقولُه تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33] إلى غيرِ ذلك. ويَدُلُّنا على أصالةِ هذا المَصدَرِ أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الذي وصَفه اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بالخُلُقِ العَظيمِ تَصِفُه عائِشةُ رَضِيَ اللهُ عنها بقَولِها: ((فإنَّ خُلُقَ نَبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان القُرآنَ)) . ومَعنى ذلك كما يَقولُ ابنُ كَثيرٍ: (أنَّه قد ألزَمَ نَفسَه ألَّا يَفعَلَ إلَّا ما أمَرّه به القُرآنُ، ولا يَترُكَ إلَّا ما نَهاه عنه القُرآنُ، فصارَ امتِثالُ أمرِ رَبِّه خُلُقًا له وسَجيَّةً، صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عليه إلى يَومِ الدِّينِ) . والمَصدَرُ الثَّاني: السُّنَّةُ النَّبَويَّةُ، والمُرادُ منَ السُّنَّةِ ما أضيف إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أقوالٍ وأفعالٍ وتَقريراتٍ، وتُعتَبَرُ السُّنَّةُ النَّبَويَّةُ الصَّحيحةُ هي المَصدَرَ الثَّانيَ للأخلاقِ، يَقولُ اللهُ تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ[الحشر: 7] ، وقال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21] ، وقال سُبحانَه: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [النساء: 59] ، وقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما بُعِثتُ لأتَمِّمَ صالحَ الأخلاقِ)) . قال إبراهيمُ الحَربيُّ: (يَنبَغي للرَّجُلِ إذا سَمِعَ شَيئًا من آدابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَتَمَسَّكَ به) . (ولذا حَرَصَ الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم واهتَمُّوا اهتِمامًا كَبيرًا، وتَخَلَّقوا بالأخلاقِ الحَسَنةِ مُستَنِدينَ في ذلك إلى ما جاءَ في كِتابِ اللهِ سُبحانَه وتعالى وسُنَّةِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فهم قُدوتُنا وسَلَفُنا الصَّالحُ في الأخلاقِ) . ( يتبع – أقسام الأخلاق ) |
![]()
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
![]() |
![]() |
#10 |
![]() ![]() |
![]()
تابع – مقدمات في الأخلاق والسلوك
أقسامُ الأخلاقِ أوَّلًا: أقسامُ الأخلاقِ باعتبارِها فِطريَّةً أو مُكتَسَبةً الأخلاقُ تَنقَسِمُ بهذا الاعتِبارِ إلى قِسمَينِ: أخلاقٌ فِطريَّةٌ، وأخلاقٌ مُكتَسَبةٌ. فبَعضُ أخلاقِ النَّاسِ أخلاقٌ فِطريَّةٌ قد جُبِلوا عليها، وتَظهَرُ فيهم مُنذُ بدايةِ نَشأتِهم، والبَعضُ الآخَرُ من أخلاقِهم مُكتَسَبٌ يَحصُلُ بالتَّخَلُّقِ والتَّكَلُّفِ والمُجاهَدةِ. والأخلاقُ الفِطريَّةُ قابلةٌ للتَّنميةِ والتَّوجيهِ والتَّعديلِ؛ لأنَّ وُجودَ الأخلاقِ الفِطريَّةِ يَدُلُّ على وُجودِ الاستِعدادِ الفِطريِّ لتَنميَتِها بالتَّدريبِ والتَّعليمِ وتَكَرُّرِ الخِبراتِ، والاستِعدادِ الفِطريِّ لتَقويمِها وتَعديلِها وتَهذيبِها. قال ابنُ القَيِّمِ: (فإن قُلتَ: هَل يُمكِنُ أن يَقَعَ الخُلُقُ كَسْبيًّا، أو هو أمرٌ خارِجٌ عنِ الكَسبِ؟ قُلتُ: يُمكِنُ أن يَقَعَ كَسبيًّا بالتَّخَلُّقِ والتَّكَلُّفِ حتَّى يَصيرَ له سَجيَّةً ومَلَكةً). واستَدَلَّ بقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأشَجِّ عَبدِ القَيسِ رَضِيَ اللهُ عنه: ((إنَّ فيك خَلَّتَينِ يُحِبُّهما اللهُ: الحِلمُ والأناةُ، قال: يا رَسولَ اللهِ، أنا أتَخَلَّقُ بهما أم اللهُ جَبَلني عليهما؟ قال: بل اللَّهُ جَبَلك عليهما، قال: الحَمدُ للَّهِ الذي جَبَلني على خَلَّتَينِ يُحِبُّهما اللهُ ورَسولُه)) . قال: (فدَلَّ على أنَّ منَ الخُلُقِ ما هو طَبيعةٌ وجِبلَّةٌ، وما هو مُكتَسَبٌ. وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ في دُعاءِ الاستِفتاحِ: ((اللَّهمَّ اهدِني لأحسَنِ الأخلاقِ لا يهدي لأحسَنِها إلَّا أنتَ، واصرِفْ عنِّي سَيِّئها لا يَصرِفُ عنِّي سَيِّئَها إلَّا أنتَ)) ، فذَكَرُ الكَسبَ والقَدَرَ. واللهُ أعلمُ) . (إنَّنا نَجِدُ مَثَلًا الخَوفَ الفِطريَّ عِندَ بَعضِ النَّاسِ أشَدَّ منه عِندَ فريقٍ آخَرَ، ونَجِدُ الطَّمَعَ الفِطريَّ عِندَ بَعضِ النَّاسِ أشَدَّ منه عِندَ فريقٍ آخَرَ، ونَجِدُ فريقًا منَ النَّاسِ مَفطورًا على سُرعةِ الغَضَبِ، بَينَما نَجِدُ فريقًا آخَرَ مَفطورًا على نِسبةٍ ما منَ الحِلمِ والأناةِ وبُطءِ الغَضَبِ. هذه المُتَفاوِتاتُ نُلاحِظُها حتَّى في الأطفالِ الصِّغارِ الذينَ لم تُؤَثِّرِ البيئةُ في تَكوينِهمُ النَّفسيِّ بَعدُ. وقد جاءَ في أقوالِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما يُثبِتُ هذا التَّفاوُتَ الفِطريَّ في الطِّباعِ الخُلُقيَّةِ وغَيرِها: منها ما رَواه البُخاريُّ ومُسلِمٌ عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((النَّاسُ مَعادِنُ كمَعادِنِ الفِضَّةِ والذَّهَبِ، خيارُهم في الجاهليَّةِ خيارُهم في الإسلامِ إذا فَقُهوا)) . ومنها: ما رَواه أحمَدُ في مُسنَدِه والتِّرمِذيُّ وأبو داوُدَ بإسنادٍ صَحيحٍ عن أبي موسى رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّ اللهَ خَلقَ آدَمَ من قَبضةٍ قَبَضَها من جَميعِ الأرضِ، فجاءَ بَنو آدَمَ على قَدرِ الأرضِ؛ جاءَ منهمُ الأبيَضُ والأحمَرُ والأسوَدُ وبَينَ ذلك، والخَبيثُ والطَّيِّبُ والسَّهلُ والحَزْنُ وبَينَ ذلك)) . وفي قَولِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "النَّاسُ مَعادِنُ"دَليلٌ على فُروقِ الهِباتِ الفِطريَّةِ الخِلقيَّةِ، وفيه يُثبِتُ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ خيارَ النَّاسِ في التَّكوينِ الفِطريِّ هم أكرَمُهم خُلقًا، وهذا التَّكوينُ الخُلُقيُّ يُرافِقُ الإنسانَ ويُصاحِبُه في كُلِّ أحوالِه. فإذا نَظَرْنا إلى مَجموعةٍ منَ النَّاسِ غَيرِ مُتَعلِّمةٍ ولا مُهَذَّبةٍ، أو في وسَطِ مُجتَمَعٍ جاهليٍّ، فإنَّه لا بُدَّ أن يَمتازَ في نَظَرِنا من بَينِهم أحاسِنُهم أخلاقًا، فهم خَيَرُهم مَعدِنًا، وأفضَلُهم سُلوكًا اجتماعيًّا، ثمَّ إذا نَقَلْنا هذه المَجموعةَ كُلَّها فعلَّمْناها وهَذَّبْناها وأنقَذْناها من جاهليَّتِها، ثمَّ نَظَرْنا إليها بَعدَ ذلك نَظرةً عامَّةً لنَرى من هو أفضَلُهم، فلا بُدَّ أن يَمتازَ في نَظَرِنا من بَينِهم من كان قدِ امتازَ سابقًا؛ لأنَّ العِلمَ والتَّهذيبَ والإيمانَ تَمُدُّ من كان ذا خُلُقٍ حَسَنٍ في أصلِ فِطرَتِه، فتَزيدُه حُسنَ خُلُقٍ واستِقامةَ سُلوكٍ، وتَزيدُه فضلًا، ثمَّ إذا جاءَ الفِقهُ في الدِّينِ كان ارتِقاءُ هؤلاء فيما فُضِّلوا به ارتِقاءً يَجعلُهم همُ السَّابقينَ على من سِواهم لا مَحالةَ، وبذلك تَكونُ فُروقُ النِّسبةِ لصالحِهم فَضلًا وكَرَمًا) . ثانيًا: أقسامُ الأخلاقِ باعتبارِ عَلاقاتِها تَنقَسِمُ الأخلاقُ باعتِبارِ عَلاقاتِها إلى أربَعةِ أقسامٍ: (القِسمُ الأوَّلُ: ما يَتَعلَّقُ بوُجوهِ الصِّلةِ القائِمةِ بَينَ الإنسانِ وخالِقِه... والفضيلةُ الخُلُقيَّةُ في حُدودِ هذا القِسمِ تَفرِضُ على الإنسانِ أنواعًا كَثيرةً منَ السُّلوكِ الأخلاقيِّ: منها الإيمانُ به؛ لأنَّه حَقٌّ، ومنها الاعتِرافُ له بكَمالِ الصِّفاتِ والأفعالِ، ومنها تَصديقُه فيما يُخبرُنا به؛ لأنَّ من حَقِّ الصَّادِقِ تَصديقَه، ومنها التَّسليمُ التَّامُّ لِما يحكُمُ علينا به؛ لأنَّه هو صاحِبُ الحَقِّ في أن يَحكُمَ علينا بما يَشاءُ. فكُلُّ هذه الأنواعِ منَ السُّلوكِ أمورٌ تَدعو إليها الفضيلةُ الخُلُقيَّةُ. أمَّا دَواعي الكُفرِ بالخالقِ بَعدَ وُضوحِ الأدِلَّةِ على وُجودِه فهي حَتمًا دَواعٍ تَستَنِدُ إلى مَجموعةٍ من رَذائِلِ الأخلاقِ، منها الكِبرُ، ومنها ابتِغاءُ الخُروجِ على طاعةِ من تَجِبُ طاعَتُه؛ استِجابةً لأهواءِ الأنفُسِ وشَهَواتِها، ومنها نُكرانُ الجَميلِ وجُحودُ الحَقِّ... القِسمُ الثَّاني: ما يَتَعلَّقُ بوُجوهِ الصِّلةِ بَينَ الإنسانِ وبَينَ النَّاسِ الآخَرينَ. وصُوَرُ السُّلوكِ الأخلاقيِّ الحَميدِ في حُدودِ هذا القِسمِ مَعروفةٌ وظاهرةٌ: منها الصِّدقُ، والأمانةُ، والعِفَّةُ، والعَدلُ، والإحسانُ، والعَفوُ، وحُسنُ المُعاشَرةِ، والمواساةُ والمَعونةُ، والجودُ، وهكذا إلى آخِرِ جَدوَلِ فضائِلِ الأخلاقِ التي يَتَعَدَّى نَفعُها إلى الآخَرينَ منَ النَّاسِ. أمَّا صورُ السُّلوكِ الأخلاقيِّ الذَّميمِ في حُدودِ هذا القِسمِ فهي أيضًا مَعروفةٌ وظاهرةٌ: منها الكَذِبُ، والخيانةُ، والظُّلمُ، والعُدوانُ، والشُّحُّ، وسوءُ المُعاشَرةِ، وعَدَمُ أداءِ الواجِبِ، ونُكرانُ الجَميلِ، وعَدَمُ الاعتِرافِ لذي الحَقِّ بحَقِّه، وهكذا إلى آخِرِ جَدولِ رَذائِلِ الأخلاقِ التي يَتَعَدَّى ضَرَرُها إلى الآخَرينَ منَ النَّاسِ. القِسمُ الثَّالثُ: ما يَتَعلَّقُ بوُجوهِ الصِّلةِ بَينَ الإنسانِ ونَفسِه. وصُوَرُ السُّلوكِ الأخلاقيِّ الحَميدِ في حُدودِ هذا القِسمِ كَثيرةٌ: منها الصَّبرُ على المَصائِبِ، ومنها الأناةُ في الأمورِ، ومنها النِّظامُ والإتقانُ في العَمَلِ، ومنها عَدَمُ استِعجالِ الأمورِ قَبلَ أوانِها، وكُلُّ ذلك يَدخُلُ في حُسنِ إدارةِ الإنسانِ لنَفسِه، وحِكمَتِه في تَصريفِ الأمورِ المُتَعلِّقةِ بذاتِه. وصُوَرُ السُّلوكِ الأخلاقيِّ الذَّميمِ في حُدودِ هذا القَسَمِ تَأتي على نَقيضِ صُوَرِ السُّلوكِ الأخلاقيِّ الحَميدِ. القِسمُ الرَّابعُ: ما يَتَعلَّقُ بوُجوهِ الصِّلةِ بَينَ الإنسانِ والأحياءِ غَيرِ العاقِلةِ. ويَكفي أن تَتَصَوَّرَ منَ السُّلوكِ الأخلاقيِّ الحَميدِ في حُدودِ هذا القَسَمِ الرَّحمةَ بها، والرِّفقَ في مُعامَلتِها، وتَأديةَ حُقوقِها الواجِبةِ. أمَّا الظُّلمُ والقَسوةُ وحِرمانُها من حُقوقِها فهي من قَبائِحِ الأخلاقِ، وفي هذا يَقولُ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما رَواه البُخاريُّ ومُسلِمٌ عنِ ابن عُمَرَ: ((عُذِّبَتِ امرَأةٌ في هرَّةٍ سَجَنتها حتَّى ماتَت فدَخَلت فيها النَّارَ، لا هي أطعَمَتْها ولا سَقَتها إذ حَبَسَتها، ولا هي تَركَتْها تَأكُلُ من خَشاشِ الأرضِ ) ... ولا بُدَّ من مُلاحَظةِ أنَّ كَثيرًا منَ الأخلاقِ لها عَدَدٌ منَ الارتِباطاتِ والتَّعلُّقاتِ؛ ولذلك فقدَ تَدخُلُ في عَدَدٍ من هذه الأقسامِ في وقتٍ واحِدٍ؛ إذ قد تَكونُ لفائِدةِ الإنسانِ نَفسِه، وتَكونُ في نَفسِ الوقتِ لفائِدةِ الآخَرينَ، وتَكونُ مَعَ ذلك مُحَقِّقةً مَرضاةَ اللهِ تعالى) . ( يتبع – خصائص الأخلاق الإسلامية ) |
![]()
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
![]() |
![]() |
#11 |
![]() ![]() |
![]()
تابع – مقدمات في الأخلاق والسلوك
خصائِصُ الأخلاقِ الإسلاميَّةِ أوَّلًا: الأخلاقُ الإسلاميَّةُ رَبَّانيَّةُ المَصدَرِ الأخلاقُ الإسلاميَّةُ مصدَرُها كِتابُ اللهِ وسُنَّةُ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا مَدخَلَ فيها للآراءِ البَشَريَّةِ، أوِ النُّظُمِ الوضعيَّةِ، أوِ الأفكارِ الفلسَفيَّةِ. ولذا اتَّسَمَتِ الأخلاقُ الإسلاميَّةُ بسِمةِ الخُلودِ والصِّدقِ والصِّحَّةِ. ثانيًا: الشُّمولُ والتَّكامُلُ من خَصائِصِ الأخلاقِ الإسلاميَّةِ: أنَّها شامِلةٌ ومُتَكامِلةٌ، وهي خاصِّيَّةٌ مُنبَثِقةٌ منَ الخاصِّيَّةِ الأولى، وهي الرَّبَّانيَّةُ؛ وذلك لأنَّها تُراعي الإنسانَ والمُجتَمَعَ الذي يَعيشُ فيه، وأهدافَ حَياتِه طِبقًا للتَّصَوُّرِ الإسلاميِّ، تُحَدِّدُ أهدافَ الحَياةِ وغايَتَها وما وراءَها، وتَشمَلُ كافَّةَ مَناشِطِ الإنسانِ وتَوجُّهاتِه، وتَستَوعِبُ حَياتَه كُلَّها من جَميعِ جَوانِبِها، ثمَّ هي أيضًا لا تَقِفُ عِندَ حَدِّ الحَياةِ الدُّنيا. ثالثًا: الأخلاقُ الإسلاميَّةُ صالحةٌ لكُلِّ زَمانٍ ومَكانٍ لمَّا كانتِ الأخلاقُ الإسلاميَّةُ رَبَّانيَّةَ المَصدَرِ، كانت صالحةً لجَميعِ النَّاسِ في كُلِّ زَمانٍ وفي أيِّ مَكانٍ، نَظَرًا لِما تَتَمَيَّزُ به من خَصائِصَ، فلا يَطرَأُ عليها أيُّ تَغييرٍ أو تَبديلٍ بسَبَبِ تَغَيُّرِ الظُّروفِ والأزمانِ؛ لأنَّها ليست نِتاجًا بَشَريًّا، بل هي وَحيٌ منَ اللهِ تعالى لنَبيِّه. رابعًا: الإقناعُ العَقليُّ والوِجدانيُّ تَشريعاتُ الإسلامِ تُوافِقُ العُقولَ الصَّحيحةَ، وتتواءمُ مَعَ الفِطَرِ السَّليمةِ، وتَحصُلُ القَناعةُ الكامِلةُ والانسِجامُ التَّامُّ مَعَ ما أتَت به الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ من نُظُمٍ أخلاقيَّةٍ. فالأخلاقُ الإسلاميَّةُ بها يَقنَعُ العَقلُ السَّليمُ، ويَرضى بها القَلبُ، فيَجِدُ الإنسانُ ارتياحًا واطمِئنانًا تِجاهَ الحَسَنِ منَ الأخلاقِ، ويَجِدُ نُفرةً وقَلقًا تِجاهَ السَّيِّئِ منَ الأخلاقِ. خامِسًا: المسؤوليَّةُ الأخلاقُ الإسلاميَّةُ تَجعلُ الإنسانَ مسؤولًا عَمَّا يَصدُرُ منه في كُلِّ جَوانِبِ الحَياةِ، سَواءٌ كانت هذه المسؤوليَّةُ مسؤوليَّةً شَخصيَّةً أم مسؤوليَّةً جَماعيَّةً، ولا تَجعلُه اتِّكاليًّا لا يَأبَهُ بما يَدورُ حَولَه من أشياءَ، وهذه خاصِّيَّةٌ من خَصائِصِ أخلاقِنا انفرَدَت بها الشَّريعةُ الغَرَّاءُ. ونَعني بالمسؤوليَّةِ الشَّخصيَّةِ أنَّ الإنسانَ مسؤولٌ عَمَّا يَصدُرُ منه عن نَفسِه؛ إن كان خَيرًا فخَيرٌ، وإن كان شَرًّا فشَرٌّ، وفي هذا الصَّدَدِ يَقولُ اللهُ تعالى: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور: 21]. ويقولُ تعالى: وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ علَى نَفْسِهِ [النساء: 111] . ويقولُ تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا [الإسراء: 36] . فهذه الآياتُ وغَيرُها تُبَيِّنُ لنا مَدى المسؤوليَّةِ التي تَقَعُ على عاتِقِ الإنسانِ عَمَّا يَصدُرُ منه. ويَقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وإنَّ العَبدَ ليَتَكَلَّمُ بالكَلِمةِ من سَخَطِ اللَّهِ لا يُلقي لها بالًا يهوي بها في جَهَنَّمَ)) ، يَقولُ ابنُ حَجَرٍ في شَرحِ الحَديثِ: ("لا يُلقي لها بالًا": أي: لا يَتَأمَّلُ بخاطِرِه، ولا يَتَفكَّرُ في عاقِبَتِها، ولا يَظُنُّ أنَّها تُؤثِّرُ شَيئًا) ، فقَبل أن تَخرُجَ الكَلمةُ من فيك أعطِ نَفسَك فُرصةً للتَّفكيرِ، هل ما سَتَقولُه يُرضي اللهَ أم يُغضِبُه؟ هَل تَكونُ عاقِبَتُه خَيرًا أم شَرًّا؟ وطالما لم تَخرُجْ فأنتَ مالِكُها، فإذا خَرَجَت كُنتَ أسيرَها، وإذا كان هذا في الكَلامِ ففي سائِرِ التَّصَرُّفاتِ من بابِ أَولى. ونَعني بالمسؤوليَّةِ العامَّةِ (الجَماعيَّةِ): تلك المسؤوليَّةَ التي تُراعي الصَّالحَ العامَّ للنَّاسِ، فلا يَكونُ الرَّجُلُ إمَّعةً مُتَكاسِلًا... أو سَلبيًّا، بل عليه أن يَأمُرَ بالمَعروفِ، وأن يَنهى عنِ المُنكَرِ: ((مَن رَأى منكُم مُنكَرًا فليُغَيِّرْه بيَدِه، فإن لم يَستَطِعْ فبلِسانِه، فإن لم يَستَطِعْ فبقَلبِه، وذلك أضعَفُ الإيمانِ)) . سادِسًا: العِبرةُ بالظَّاهرِ والباطِنِ منَ الأعمالِ مَعًا أخلاقُنا الإسلاميَّةُ لا تَكتَفي بالظَّاهرِ منَ الأعمالِ، ولا تَحكُمُ عليه بالخَيرِ والشَّرِّ بمُقتَضى الظَّاهرِ فقَط، بل يَمتَدُّ الحُكمُ ليَشمَلَ النَّوايا والمَقاصِدَ، وهي أمورٌ باطِنيَّةٌ؛ فالعِبرة إذًا بالنِّيَّةِ، يَقولُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لكُلِّ امرِئٍ ما نَوى)) ... والنِّيَّةُ هي مَدارُ التَّكليفِ، وعلى ذلك فالإسلامُ يُراعي نيَّةَ الإنسانِ في الحُكمِ على عَمَلِه الظَّاهرِ. سابعًا: الرَّقابةُ الدِّينيَّةُ الرَّقابةُ: تَعني مُراقَبةَ المُسلمِ لجانِب مَولاه سُبحانَه في جَميعِ أمورِ الحَياةِ. وعلى هذا فإنَّ الرَّقابةَ في أخلاقِنا الإسلاميَّةِ لها مَدلولُها المُستَقِلُّ والمُختَلِفُ عنِ الرَّقابةِ في مَصادِرِ الأخلاقِ الأخرى؛ حَيثُ تَكونُ رَقابةً خارِجيَّةً منَ الغَيرِ تَتَمَثَّلُ في رَقابةِ السُّلطةِ والأفرادِ. أمَّا الرَّقابةُ في الإسلامِ فهي رَقابةٌ ذاتيَّةٌ في المَقامِ الأوَّلِ، وهي رَقابةٌ نابعةٌ منَ التَّربيةِ الإسلاميَّةِ الصَّحيحةِ، ومن إيقاظِ الضَّميرِ، فإذا كان المُسلمُ يَعلمُ أنَّ اللهَ مَعَه، وأنَّه مُطَّلعٌ على حَرَكاتِه وسَكَناتِه، فإنَّه يَكونُ رَقيبًا على نَفسِه، ولا يَحتاجُ إلى رَقابةِ الغَيرِ عليه؛ يَقولُ تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ [الحديد: 4] ، ويقولُ سُبحانَه: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه: 7] ، ويقولُ عزَّ وجَلَّ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ علَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1] ، فإذا قَرَأ المُسلِمُ هذه الآياتِ وعَرَف مَعناها فإنَّه حينَئِذٍ يَتَيَقَّنُ أنَّه إذا تَمَكَّنَ منَ الإفلاتِ من رَقابةِ السُّلطةِ، فإنَّه لن يَتَمَكَّنَ منَ الإفلاتِ من رَقابة اللَّهِ، وهذا في حَدِّ ذاتِه أكبَرُ ضَمانٍ لعَدَمِ الانحِرافِ والانسياقِ إلى الأخلاقِ المَذمومةِ. ثامنًا: الأخلاقُ الإسلاميَّةُ تَرتَبطُ بالجَزاءِ الدُّنيَويِّ والأخرَويِّ أخلاقُ الإسلامِ تَرتَبطُ ارتِباطًا وثيقًا بالجَزاءِ، سَواءٌ في الدُّنيا أوِ الآخِرةِ؛ لذا وُجِدَ الوعدُ والوعيدُ، والتَّرغيبُ والتَّرهيبُ. فالأخيارُ منَ النَّاسِ: جَزاؤُهم عَظيمٌ في الدُّنيا والآخِرةِ: ومن ذلك ما أعَدَّه اللهُ لهم في الآخِرةِ كما في قولِه تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 72] . وكَذلك ما وعَدَهمُ اللهُ به في الدُّنيا منَ الجَزاءِ العاجِلِ؛ قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2-3] ، وقال أيضًا: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 10] . وأمَّا الأشرارُ منَ النَّاسِ فقد تَوعَّدَهمُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ كما في قَولِه تعالى: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج: 19-22] . وأمَّا جزاؤهم في الدُّنيا فمثالُه قَولُه تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل: 112] . ( يتبع - اكتسابُ الأخلاقِ ) |
![]()
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
![]() |
![]() |
#12 |
![]() ![]() |
![]()
تابع – مقدمات في الأخلاق والسلوك
اكتسابُ الأخلاقِ (لدَينا حَقيقةٌ ثابتةٌ لا بُدَّ من مُلاحَظَتِها في مَجالِ كُلِّ تَكليفٍ رَبَّانيٍّ: هي أنَّ اللهَ تَبارَكَ وتعالى لا يُكَلِّفُ نَفسًا إلَّا وُسعَها، فمسؤوليَّةُ الإنسانِ تَنحَصِرُ في نِطاقِ ما يَدخُلُ في وُسعِه، وما يَستَطيعُه من عَمَلٍ، أمَّا ما هو خارِجٌ عن وُسعِ الإنسانُ واستِطاعَتِه، فليس عليه مسؤوليَّةٌ نَحوَه، يُضافُ إلى ذلك أنَّ نِسبةَ المسؤوليَّةِ تَتَناسَبُ طَردًا وعَكسًا مَعَ مِقدارِ الاستِطاعةِ... فما كان منَ الطِّباعِ الفِطريَّةِ قابلًا للتَّعديلِ والتَّبديلِ، ولو في حُدودِ نِسَبٍ جُزئيَّةٍ؛ لدُخولِه تَحتَ سُلطانِ إرادةِ الإنسانِ وقُدرَتِه، كان خاضِعًا للمسؤوليَّةِ، وداخِلًا في إطارِها تِجاهَ التَّكاليفِ الرَّبَّانيَّةِ، وما لم يَكُنْ قابلًا للتَّعديلِ والتَّبديلِ؛ لخُروجِه عن سُلطانِ إرادةِ الإنسانِ وقُدرَتِه، فهو غَيرُ داخِلٍ في إطارِ المسؤوليَّةِ تِجاهَ التَّكاليفِ الرَّبَّانيَّةِ. وبناءً على ذلك فإنَّنا نَقولُ وَفْقَ المَفاهيمِ الدِّينيَّةِ: لو لم يَكُنْ لدى كُلِّ إنسانٍ عاقِلٍ قُدرةٌ على اكتِسابِ حَدٍّ ما منَ الفضائِلِ الأخلاقيَّةِ، لَما كَلَّفه اللَّهُ ذلك. وليس أمرُ قُدرةِ الإنسانِ على اكتِسابِ حَدٍّ ما من كُلِّ فضيلةٍ خُلُقيَّةٍ بَعيدًا عنِ التَّصَوُّرِ والفهمِ، ولكِنَّه بحاجةٍ إلى مِقدارٍ مُناسِبٍ منَ التَّأمُّلِ والتَّفكيرِ. أليستِ استِعداداتُ النَّاسِ لأنواعِ العُلومِ المُختَلفةِ مُتَفاوِتةً؛ فبَعضُهم أقدَرُ على تَعلُّمِ الفُنونِ الجَميلةِ من بَعض، وبَعضُهم أقدَرُ على تَعلُّمِ العُلومِ العَقليَّةِ من بَعضٍ، وبَعضُهم أقدَرُ على حِفظِ التَّواريخِ والحَوادِثِ أو حِفظِ النُّصوصِ من بَعضٍ؟ إنَّه... ما من إنسانٍ عاقِلٍ إلَّا ولدَيه قُدرةٌ على اكتِسابِ مِقدارٍ ما من فضائِلِ الأخلاقِ، وفي حُدودِ هذا المِقدارِ الذي يَستَطيعُه يَكونُ تَكليفُه، وتَكونُ مسؤوليَّتُه، ثمَّ في حُدودِه تَكونُ مُحاسَبَتُه ومُجازاتُه. إنَّ أسرَعَ النَّاسِ استِجابةً لانفِعالِ الغَضَبِ يَستَطيعُ بوسائِلِ التَّربيةِ أن يَكتَسِبَ مِقدارًا ما من خُلُقِ الحِلمِ، ومَتى صَمَّمَ بإرادَتِه أن يَكتَسِبَ ذلك فإنَّه يَستَطيعُه؛ لذلك فهو مسؤولٌ عنِ اكتِسابِ ما يَستَطيعُه منه، فإذا هو أهمَل تَربيةَ نَفسِه، وتَركَها من غَيرِ تَهذيبٍ تَنمو نُموَّ أشواكِ الغابِ، فإنَّه سَيُحاسَبُ على إهمالِه، وسيَجني ثَمَراتِ تَقصيرِه. وإنَّ أشَدَّ النَّاسِ بُخلًا وأنانيَّةً وحُبًّا للتَّمَلُّكِ يَستَطيعُ بوسائِلِ التَّربيةِ أن يَكتَسِبَ مِقدارًا ما من خُلُقِ حُبِّ العَطاءِ، ومَتى صَمَّمَ بإرادَتِه أن يَكتَسِبَ ذلك فإنَّه يَستَطيعُه؛ لذلك فهو مسؤولٌ عنِ اكتِسابِ القَدرِ الواجِبِ شَرعًا منه، فإذا هو أهمَل تَربيةَ نَفسِه، وتَركَها من غَيرِ تَهذيبٍ، فإنَّه سَيُحاسَبُ على إهمالِه، وسَيَجني ثَمَراتِ تَقصيرِه. والمَفطورُ على نِسبةٍ كَبيرةٍ منَ الجُبنِ يَستَطيعُ أن يَكتَسِبَ بالتَّربيةِ المُقتَرِنةِ بالإرادةِ والتَّصميمِ مِقدارًا ما من خُلُقِ الشَّجاعةِ، قد لا يَبلُغُ به مَبلَغَ المَفطورِ على نِسبةٍ عاليةٍ منَ الشَّجاعةِ، ولكِنَّه مِقدارٌ يَكفيه لتَحقيقِ ما يَجِبُ عليه فيه أن يَكونَ شُجاعًا، وضِمنَ الحُدودِ التي هو مسؤولٌ فيها. وأشَدُّ النَّاسِ أنانيَّةً في تَكوينِه الفِطريِّ يَستَطيعُ أن يَكتَسِبَ بالتَّربيةِ المُقتَرِنةِ بالإرادةِ والتَّصميمِ مِقدارًا ما منَ الغَيريَّةِ والإيثارِ، قد لا يَبلُغُ فيه مَبلغَ المَفطورِ على مَحَبَّةِ الآخَرينَ، والرَّغبةِ بأن يُؤثِرَهم على نَفسِه، ولكِنَّه مِقدارٌ يَكفيه لتَأديةِ الحُقوقِ الواجِبةِ عليه تِجاهَ الآخَرينَ. وهكذا نَستَطيعُ أن نَقولَ: إنَّ أيَّةَ فضيلةٍ خُلُقيَّةٍ باستِطاعةِ أيِّ إنسانٍ عاقِلٍ أن يَكتَسِبَ منها بالتَّربيةِ المُقتَرِنةِ بالإرادةِ والتَّصميمِ المِقدارَ الذي يَكفيه لتَأديةِ واجِبِ السُّلوكِ الأخلاقيِّ. والنَّاسُ من بَعدِ ذلك يَتَفاوتونَ بمَدى سَبقِهم وارتِقائِهم في سُلَّمِ الفضائِلِ. وتَفاوُتُ الاستِعداداتِ والطَّبائِعِ لا يُنافي وُجودَ استِعدادٍ عامٍّ صالحٍ لاكتِسابِ مِقدارٍ ما من أيِّ فرعٍ من فُروعِ الاختِصاصِ، سَواءٌ أكان ذلك من قَبيلِ العُلومِ، أو من قَبيلِ الفُنونِ، أو من قَبيلِ المَهاراتِ، أو من قَبيلِ الأخلاقِ. وفي حُدودِ هذا الاستِعدادِ العامِّ ورَدَتِ التَّكاليفُ الشَّرعيَّةُ الرَّبَّانيَّةُ العامَّةُ، ثمَّ تَرتَقي من بَعدِه مسؤوليَّاتُ الأفرادِ بحَسَبِ ما وهَبَ اللَّهُ كُلًّا منهم مِن فِطَرٍ، وبحَسَبِ ما وَهبَ كُلًّا منهم منِ استِعداداتٍ خاصَّةٍ زائِدةٍ على نِسبةِ الاستِعدادِ العامِّ. ولو أنَّ بَعضَ النَّاسِ كان مَحرومًا من أدنى حُدودِ الاستِعدادِ العامِّ الذي هو مَناطُ التَّكليفِ، فإنَّ التَّكليفَ لا يَتَوجَّهُ إليه أصلًا، ومن سُلِب منه هذا الاستِعدادُ بسَبَبِ ما ارتَفعَ عنه التَّكليفُ؛ ضَرورةَ اقتِرانِ التَّكليفِ بالاستِطاعةِ، كما أوضَحَت ذلك نُصوصُ الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ. ووَفقَ هذا الأساسِ جاءَتِ التَّكاليفُ الشَّرعيَّةُ بالتِزامِ فضائِلِ الأخلاقِ واجتِنابِ رَذائِلِها. ووَفقَ هذا الأساسِ وضع الإسلامُ الخُطَطَ التَّربَويَّةَ التي تَنفعُ في التَّربيةِ على الأخلاقِ الفاضِلةِ؛ فالاستِعدادُ لذلك مَوجودٌ في الواقِعِ الإنسانيِّ، وإن اختَلفت نِسبةُ هذا الاستِعدادِ من شَخصٍ إلى آخَرَ. وفي الإصلاحِ التَّربَويِّ قد يَقبَلُ بَعضُ النَّاسِ بَعضَ فضائِلِ الأخلاقِ بسُهولةٍ، ولا يَقبَلُ بَعضَها الآخَرَ إلَّا بصُعوبةٍ ومُعالجةٍ طَويلةِ المَدى، وقد تَقِلُّ نِسبةُ استِجابَتِه) . قال الغَزاليُّ: (لو كانتِ الأخلاقُ لا تَقبَلُ التَّغييرَ لبَطَلتِ الوصايا والمَواعِظُ والتَّأديباتُ... وكَيف يُنكَرُ هذا في حَقِّ الآدَميِّ، وتَغييرُ خَلقِ البَهيمةِ مُمكِنٌ؟! إذ يُنقَلُ البازي منَ الاستيحاشِ إلى الأُنسِ، والكَلبُ من شَرَهِ الأكلِ إلى التَّأدُّبِ والإمساكِ والتَّخليةِ، والفرَسُ منَ الجِماحِ إلى السَّلاسةِ والانقيادِ، وكُلُّ ذلك تَغييرٌ للأخلاقِ) . ( يتبع – وسائل اكتساب الأخلاق ) |
![]()
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
![]() |
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
متجدد, الأخلاق, المحمودة, الإسلام, سلسلة |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|