مولانا
04-05-2025, 11:23 AM
في محراب الحنين
يا لَقلبي، ما له كلما هدأ نسيمُ الليلِ عاد يرتجف كأنما تناوحت حوله أرواحُ الراحلين؟!
أهو الحنين؟ ذاك الضيف الثقيل الخفيف، الذي ما حلَّ بموطنٍ إلا أهاج الذكرى، وما مرَّ بخاطرٍ إلا وأشعل فيه لهيبَ الشوق؟
ما الحنينُ يا صاح؟
أهو دمعةٌ حبيسة في طرف العين تأبى أن تهطل؟
أهو تنهيدةٌ تنساب من القلب كما تنساب دماء الحزن من جرحٍ قديم؟
أهو ذلك النداء الخفيّ الذي تسمعه الأرواح عند كل غروب، كأنّ الماضي يناديها من وراء حُجبِ الزمن؟
أذكر، ولا حيلة لي أن أنسى، أيامًا كانت الأرواح فيها هانئة، والقلوب صافية، والضحكات تُغرّد على الشفاه كما تُغرّد الطيور في فجرٍ طريٍّ، نديّ.
أذكر وجوهًا كانت تملأ الدار ضياءً، وصوتَ أبي يداعب أركان البيت كالنسيم يلامس خدّ الورد في ربيعٍ دافئ.
أين ذهبوا؟ أين ذهبنا نحن؟
أهي الأقدار التي تنسج حولنا خيوط الرحيل؟ أم هي الدنيا التي لا تُبقي على شيءٍ إلا وتبدّده؟
يا لَزمنٍ مضى ولم يأذن لنا بالوداع، كأنّه اختطف ضحكاتنا من بين أيدينا، ثم ولّى مسرعًا، لا يلتفت ولا يرحم!
الحنين يا صديقي ليس شيئًا نذكره، بل هو شيءٌ يسكننا.
إنه الغائب الحاضر، والرفيق الصامت، والبكاء الذي لا يسمعه أحد.
لقد تعلّمت أن الحنين لا يُشفيه اللقاء، لأن من نشتاق إليهم ليسوا بأجسادهم فقط، بل بزمنهم، بروح أيامهم، بظلالهم حين كانوا يمرّون في طرقات العمر، فيعطرونها بأريجٍ لا يُنسى.
فإن ضاقت بك الحياة، واشتدت عليك غربتها، فدع قلبك يسافر إلى حيث ارتاح يومًا، حيث كان النقاء، والسكينة، والسلام.
إنّ في الحنين رغم ألمه سلوى، وفي البكاء على الماضي حياةً أخرى نعيشها، وإن كانت من سراب.
لا تبتئس إن هاج بك الشوق، فإنّ القلوب النبيلة لا تُشفى من ذاكرتها، وإنّ الأرواح الطاهرة لا تُجيد النسيان، وما الحنين إلا دلالة على قلبٍ أحبّ يومًا، وصدق، وبقي وفيًّا لما مضى...
يا لَقلبي، ما له كلما هدأ نسيمُ الليلِ عاد يرتجف كأنما تناوحت حوله أرواحُ الراحلين؟!
أهو الحنين؟ ذاك الضيف الثقيل الخفيف، الذي ما حلَّ بموطنٍ إلا أهاج الذكرى، وما مرَّ بخاطرٍ إلا وأشعل فيه لهيبَ الشوق؟
ما الحنينُ يا صاح؟
أهو دمعةٌ حبيسة في طرف العين تأبى أن تهطل؟
أهو تنهيدةٌ تنساب من القلب كما تنساب دماء الحزن من جرحٍ قديم؟
أهو ذلك النداء الخفيّ الذي تسمعه الأرواح عند كل غروب، كأنّ الماضي يناديها من وراء حُجبِ الزمن؟
أذكر، ولا حيلة لي أن أنسى، أيامًا كانت الأرواح فيها هانئة، والقلوب صافية، والضحكات تُغرّد على الشفاه كما تُغرّد الطيور في فجرٍ طريٍّ، نديّ.
أذكر وجوهًا كانت تملأ الدار ضياءً، وصوتَ أبي يداعب أركان البيت كالنسيم يلامس خدّ الورد في ربيعٍ دافئ.
أين ذهبوا؟ أين ذهبنا نحن؟
أهي الأقدار التي تنسج حولنا خيوط الرحيل؟ أم هي الدنيا التي لا تُبقي على شيءٍ إلا وتبدّده؟
يا لَزمنٍ مضى ولم يأذن لنا بالوداع، كأنّه اختطف ضحكاتنا من بين أيدينا، ثم ولّى مسرعًا، لا يلتفت ولا يرحم!
الحنين يا صديقي ليس شيئًا نذكره، بل هو شيءٌ يسكننا.
إنه الغائب الحاضر، والرفيق الصامت، والبكاء الذي لا يسمعه أحد.
لقد تعلّمت أن الحنين لا يُشفيه اللقاء، لأن من نشتاق إليهم ليسوا بأجسادهم فقط، بل بزمنهم، بروح أيامهم، بظلالهم حين كانوا يمرّون في طرقات العمر، فيعطرونها بأريجٍ لا يُنسى.
فإن ضاقت بك الحياة، واشتدت عليك غربتها، فدع قلبك يسافر إلى حيث ارتاح يومًا، حيث كان النقاء، والسكينة، والسلام.
إنّ في الحنين رغم ألمه سلوى، وفي البكاء على الماضي حياةً أخرى نعيشها، وإن كانت من سراب.
لا تبتئس إن هاج بك الشوق، فإنّ القلوب النبيلة لا تُشفى من ذاكرتها، وإنّ الأرواح الطاهرة لا تُجيد النسيان، وما الحنين إلا دلالة على قلبٍ أحبّ يومًا، وصدق، وبقي وفيًّا لما مضى...