مجتمع غلاك - حدائق بابل المعلّقة, الحدائق الأسطورية التي زيّنت عاصمة الامبراطورية البابلية الحديثة ..~

اسعد الله اوقاتكم بكل خير

منذ ان كنت صغيرة كنت احب البحث والقراءة عن عجائب الدنيا السبع
لازلت اذكر اني كنت متعجبة جدا من حدائق بابل المعلقة وتمنيت لو انها موجودة حتى الان

فقمت بكتابة بحث اكاديمي عن هذا الموضوع حتى يستفيد الجميع منه

https://g-lk.com/up/do.php?imgf=175571489974371.png

بحث أكاديمي: حدائق بابل المعلّقة
حدائق بابل المعلّقة: دراسة تاريخية-أثرية وهندسية

الملخص

تُعدّ حدائق بابل المعلّقة واحدةً من أشهر العجائب السبع في العالم القديم، لكنها في الوقت نفسه أكثرها إثارةً للجدل من حيث الوجود التاريخي والموقع الدقيق.
يهدف هذا البحث إلى تقديم عرضٍ شاملٍ لموضوع الحدائق من خلال مراجعة المصادر الكلاسيكية،
والقرائن الأثرية من بابل وآشور، والنظريات الحديثة حول الهندسة الهيدروليكية والعمارة،
مع تحليلٍ نقدي لمدى «تاريخية» الحدائق وسياقات تلقيها في الثقافة العالمية.
يخلُص البحث إلى أنّ الحدائق، سواء قامت في بابل أو في نينوى، تجلّي تقاطعات السياسة الملكية والهندسة والرمزية الدينية في بلاد الرافدين،
وأنّ صورتها المتخيلة عبر القرون لا تقل أثرًا عن وجودها المادي.

الكلمات المفتاحية

بابل؛ نبوخذنصر الثاني؛ نينوى؛ سنحاريب؛ العجائب السبع؛ الآثار؛ الري الرافديني؛
برغوث المياه/النواعير؛ بوليورسوس (برصّوس/بيروسوس)؛ ديودور الصقلي؛
سترابون؛ كوينتوس كرتيوس روفوس؛ روبرت كولدڤي؛ ستيفاني دالي.

مقدمة
حازت حدائق بابل المعلّقة منذ العصور القديمة اهتمام المؤرخين والجغرافيين لما جسّدته من ترفٍ معماري وبراعة هندسية.
ورغم حضورها القوي في المخيال الجمعي والكتب المدرسية، ظلّ إثباتها المادي موضع نقاش.

تتداخل في هذه القضية ثلاثة محاور:
(1) سرديات المؤرخين الإغريق-الرومان،
(2) معطيات الحفريات الأثرية في بابل ونينوى،
(3) إمكانات التقنية الهيدروليكية والإنشائية في العصر البابلي الحديث والآشوري الحديث.

سيعالج هذا البحث هذه المحاور في تسلسلٍ تركيبي يوازن بين النص والأثر والنظرية.

https://g-lk.com/up/do.php?imgf=175571489977322.png

الخلفية التاريخية والجغرافية
بابل في العصر البابلي الحديث

بلغت بابل ذروة ازدهارها في عهد نبوخذنصر الثاني (605–562 ق.م)،
إذ جرى توسيع الأسوار والقصور والمعابد، وتحصين شبكات الري على الفرات وقنواته.
ارتبط اسم نبوخذنصر بالرعاية الملكية للبنى الضخمة،
ما يجعل نسبَ الحدائق إليه متسقًا مع سياسات العرض الإمبراطوري والشرعية الدينية.

نينوى والعصر الآشوري الحديث
شهدت نينوى في عهد سنحاريب (704–681 ق.م)
وبرعاية خلافته أعمالاً إنشائية ضخمة، شملت إعادة تخطيط المدينة، وبناء القصور والحدائق والجبانات المروية عبر قنوات وأنفاق طويلة.
تُظهر نقوش سنحاريب تفاخرًا بتقنيات رفع المياه وتسييرها إلى «حدائق عجيبة» و«جبال مصنوعة» داخل العاصمة.

البيئة الرافدينية وأنظمة الري
يقع السهل الرسوبي بين دجلة والفرات في بيئةٍ مدارية جافة-شبه جافة ذات صيفٍ حار طويل وشتاءٍ معتدل.
تطلبت الزراعة الحضرية أنظمة قنوات، وسدودًا ترابية، ونواعير/سواقي أو آليات رافعة للمياه.
هذه الخلفية التقنية أساسية لتصوّر حدائق متعددة المصاطب تتطلب تغذية مائية مستمرة وفعالة.

المصادر القديمة: ماذا قالت النصوص؟

ديودور الصقلي (القرن 1 ق.م)
يروي ديودور، اعتمادًا على كلتارخوس فيما يبدو، وصفًا تفصيليًا لحديقة مؤلفة من مصاطب ترتفع تدريجيًا لتخلق «جبلًا اصطناعيًا» مكسوًا بالنباتات،
مع قنواتٍ تحتيةٍ و«مسارات» لنقل الماء إلى أعلى المصاطب.
يصرّح بأن بانيها «ملك بابلي» وقد نُسبت في التقليد إلى نبوخذنصر.

سترابون (القرن 1 ق.م–1 م)
يقدم سترابون وصفًا متقاربًا لهيئة الحدائق وتخطيطها المصطّبي،
ويشير إلى استخدام قنوات وأنابيب من الرصاص أو الفخار لنقل المياه، وإلى سماكات هائلة للردميات تحت التربة لمنع النفاذية.

كوينتوس كرتيوس روفوس (القرن 1 م)
ضمن سرد حملة الإسكندر، يصف كرتيوس روفوس «حدائق معلّقة» في بابل قريبة من القصور الملكية،
ويؤكد وظيفة «الندرة المصطنعة» التي تُظهر قدرة المَلِك على تذليل الطبيعة.

بيروسوس/برصّوس (القرن 3 ق.م) ونقل المؤرخين عنه
على الرغم من ضياع مؤلفه، ينقل يوسيفوس وفُسيفيوس إشارات إلى إنجازات نبوخذنصر العمرانية.
استُخدمت هذه الشذرات لإسناد الحدائق إليه، وإن كان النص المباشر غير محفوظ.

ملاحظة منهجية: لا يذكر هيرودوت الحدائق صراحةً في وصفه لبابل، ما يثير تساؤلات حول توقيت نشأة التقليد ووثوقه.

المعطيات الأثرية: بابل أم نينوى؟
حفريات روبرت كولدڤي في بابل (1899–1917
كشف كولدڤي أجزاءً واسعة من بابل، بما فيها «القصر الجنوبي» و«بوابة عشتار» والطريق الموكبي.
اقترح أن بقايا بناءٍ ذي أقبية حجرية قرب القصر الشمالي قد تكون أساسات الحدائق.
غير أنّ الدلائل المادية لم تحسم وظيفته، وطرحت قراءات بديلة (مخازن، ثكنات، أو منشآت خدمية).

نقوش سنحاريب وقنواته إلى نينوى
تُظهر نصوص سنحاريب الملكية ونقوشه بارعةً في وصف آلات رفع المياه وقنواتٍ تمتد عشرات الكيلومترات لجلب المياه إلى نينوى،
مع تصوير لحدائق «جبليّة» داخل القصر.
هنا نشأت فرضية ربط «الحدائق المعلّقة» بنينوى لا ببابل.

أطروحة ستيفاني دالي
جادلت دالي بأن «الحدائق المعلّقة» ربما كانت في نينوى وأن التقاليد اللاحقة نقلتها إلى بابل نتيجة التباسات لغوية/جغرافية.
تستند أطروحتها إلى توافقٍ بين الأوصاف التقنية في النقوش الآشورية
وبين ما أورده الكتّاب الكلاسيكيون عن نظام الرفع المستمر للمياه وتدرّج المصاطب.

تقييم نقدي
لا تقدّم الحفريات حتى الآن دليلاً قاطعًا على حديقةٍ «معلّقة» متعددة المصاطب في بابل.
بالمقابل، ترفد نصوص سنحاريب وصور النقوش مشهدًا أكثر اتساقًا لحدائق ملكية صناعية في نينوى.
لكن غياب اكتشاف أثري حاسم (أساسات مصاطب ضخمة مع منظومة رفع رأسية)
يجعل القضية مفتوحة، مع ميل متزايد في الأدبيات الحديثة إلى قراءة «الحدائق» بوصفها مشروعًا آشوريًا.

https://g-lk.com/up/do.php?imgf=175571489984064.png

الهندسة المعمارية والهيدروليكية المفترضة
البنية الإنشائية للمصاطب
التخطيط:
مصاطب متدرجة تشكّل شكل هرمٍ مدرَّج أو جبلٍ اصطناعي، مع ممراتٍ علوية وسلالم.

الإنشاء:
طبقات متعاقبة من الجِرْد (اللبن/الطوب النيّئ) والملاط الأسفلتي (البيتومين) والردميات والحجارة، تغطيها طبقة عزل لمنع تسرب المياه.

الحمولات:
تُقدّر سماكات الردم اللازمة لحمل تربةٍ عميقة وأشجار متوسطة الحجم، مع استخدام أقواسٍ وأقبية لتخفيف الأحمال وتوزيعها على دعامات.

تقنيات رفع المياه
النواعير والسواقي:
استغلال الفرات أو قنواتٍ مُحوَّلة باستخدام نواعير تسحب المياه إلى قناةٍ علوية.

السلسلة الدائرية/مضخة السلسلة (chain pump):
نظام دلاءٍ متتابعة على سلسلة لا نهائية تدور بقدرة بشرية/حيوانية لرفع الماء رأسياً.

البرغي «الأرخميدي»:
رغم نسبته إلى أرخميدس لاحقًا، فإن مبادئ الرفع الحلزوني قد تكون معروفة بصيغٍ أبكر في الرافدين.
تظل الأدلة النصّية والرسومية على استخدامه في بابل/نينوى غير قاطعة.

إدارة المياه والتربة
العزل والصرْف:
طبقات من القصب والبيتومين والطوب المشوي لتقليل النفاذية، مع قنوات صرف سفلي لتجنّب التشبّع.
التربة والري:
خلطات تربة خفيفة مع مواد عضوية لتحسين الصرف، وجدولة ريّ بالتنقيط البدائي أو السقي بالقساطر من القنوات العلوية.

النباتات والغطاء الحيوي المحتمل
من غير الممكن تقديم قائمة مؤكدة، لكن البيئات النهرية وبساتين بابل/آشور تشير إلى:

أشجار الظل والفواكه:
نخيل التمر، الرمان، التين، المشمش، العنب، الزيتون (أقل شيوعًا في السهل)، الصفصاف، الجميز.

نباتات الزينة والعطر:
الآس، التمر حنّة، الخزامى البرّي، السوسن، الأقحوان.

محاصيل وغطاء:
حبوب وزراعات علفية لتثبيت التربة في المصاطب السفلى.

التنوع النباتي كان يحمل وظيفةً رمزية:
استحضار «جبال» الشمال الخضراء داخل السهل الجاف، وإظهار قدرة الملك على «تدجين» الطبيعة.

الدلالات السياسية والرمزية
الملكية الكونية:
الحدائق تعلن سلطةً ترويضية على الماء والأرض، فتُحاكي جبال الآلهة في الميثولوجيا الرافدينية.
الترف الحضري:
عرضٌ للقوة الاقتصادية وقدرة التنظيم والعمل القسري/الجباية.
الهوية والذاكرة:
حتى لو كان وجودها مادياً موضع جدل، فإن «حدائق بابل» جسّدت لاحقًا صورة المدينة المترفة الباطشة في المخيال الغربي والشرقي.

الخلافات الحديثة واتجاهات البحث
موقع الحدائق:
تيّاران رئيسان؛ بابلي (نبوخذنصر، مجاورة القصر الشمالي) وآشوري/نينوى (سنحاريب، «حدائق جبليّة»).
تميل الأدبيات المعاصرة إلى إعادة قراءة النصوص لصالح الفرضية الآشورية، لكنها لا تجزم.

إمكانات التقنية:
اتفق الباحثون على توفّر مبادئ الرفع والقنوات والعزل البيتوميني، لكن سعة المنظومة المطلوبة لحديقة شاهقة تبقى محل نمذجةٍ تقديرية.

المنهجية:
الدعوة إلى ربط القراءة النصية بالتحليل الطبوغرافي/الهيدرولوجي ونماذج المحاكاة، مع دراسات ميكرو-أثرية للمواد البيتومينية والطوب.

أثر الحدائق في التراث العالمي والتلقي الحديث
دخلت «حدائق بابل المعلّقة» قوائم العجائب منذ العصور الهلنستية، وتكرّست في الموسوعات الأوروبية والإسلامية.
أثّرت في عمارة الحدائق المدرّجة (من الأندلس إلى فارس) وفي خطاب «الحديقة الملكية» كاستعارة للقوة.

في العصر الحديث ألهمت الفن والأدب والسينما وعروض المتاحف، كما أصبحت علامة سياحية ثقافية رغم غياب موقعٍ مؤكد للزيارة.

https://g-lk.com/up/do.php?imgf=175571489979943.png

خاتمة

تُظهر دراسة حدائق بابل المعلّقة التوترَ الخلّاق بين النصوص والآثار والخيال.
فإذا كانت الحدائق في بابل حقيقةً ماديةً اندثرت، فإن آثارها النصية والرمزية لم تندثر؛
أما إذا كانت في نينوى، فإن انتقال نسبتها إلى بابل يكشف ديناميات الذاكرة الإمبراطورية في المشرق القديم.

في الحالتين، غدت «الحدائق» مجازًا لسيادة الإنسان على الماء والطبيعة، وللسياسة التي تشيّد معجزاتها على قمم المصاطب.

ملاحق
أ. جدول زمني مختصر

القرن 8–7 ق.م: توسعات آشورية كبرى؛ قنوات سنحاريب إلى نينوى.
605–562 ق.م: حكم نبوخذنصر الثاني؛ ذروة العمران البابلي.
القرن 3 ق.م: بيروسوس يدوّن تاريخ بابل (مفقود مع شذرات).
القرن 1 ق.م–1 م: ديودور، سترابون، كرتيوس يصفون الحدائق.
1899–1917 م: حفريات كولدڤي في بابل.
1990s–2010s م: أطروحات حديثة تُعيد طرح فرضية نينوى (دالي وآخرون).

ب. مسرد مصطلحات موجز

البيتومين: مادة إسفلتية طبيعية استُخدمت للعزل.
المصطبة: منصة مبنية على ارتفاع لتشكيل تراسٍ زراعي.
مضخة السلسلة: آلية متواصلة لرفع المياه بدلاء على سلسلة تدور حول بكرات.
ج. نمذجة تقديرية مبسطة (إرشادية)

حديقة بمسقط 100×100 م وارتفاع مصاطب تراكمي 25 م تتطلب رفع ~2,500 م³ ماء/يوم لريّ خفيف في ذروة الصيف
(تقدير على أساس 25 لتر/م²/يوم لمسطحٍ مُنبت قيمته 10,000 م² في أي وقتٍ مُروّى).
يمكن تحقيق ذلك بنوعين من المضخات المتوازية بطاقة بشرية/حيوانية مع خزانات تساوي 500–1,000 م³.

المراجع المختارة (عربي/أجنبي)
دالي، ستيفاني. لغز الحديقة المعلّقة لبابل: حلّ المشكلة القديمة (The Mystery of the Hanging Garden of Babylon). لندن: 2013.
Koldewey, Robert. The Excavations at Babylon. Leipzig/Berlin, 1914–1925.
Diodorus Siculus. Library of History (Book II). ترجمة إنجليزية.
Strabo. Geographica (Book XVI). ترجمة إنجليزية.
Quintus Curtius Rufus. Histories of Alexander. ترجمة إنجليزية.
Oates, Joan. Babylon. London: Thames & Hudson, 1979 (وطبعات لاحقة).
George, Andrew. Babylonian Topographical Texts؛ وأعمال مختارة عن بابل.
Wiseman, D. J. "Assyrian Inscriptions and the Babylonian Hanging Gardens," مقالات متفرقة.
Kuhrt, Amélie. The Ancient Near East, c. 3000–330 BC. Routledge, 1995.
Curtis, John & Reade, Julian (eds.). Art and Empire: Treasures from Assyria in the British Museum.

تنبيه أكاديمي:
حيثما لم تتوفر أدلة أثرية قاطعة، تمّ التصريح بالطبيعة الافتراضية للنماذج الهندسية،
والبحث اعتمد المقارنة النصّية والأثرية وفق أفضل ما هو متاح في الأدبيات العلمية.

مجتمع غلاك

~