مجتمع غلاك

مجتمع غلاك (https://g-lk.com/vb/index.php)
-   القصص والروايات والمسرح " يمنع المنقول" (https://g-lk.com/vb/forumdisplay.php?f=107)
-   -   بلا اسم ... بقلمي (https://g-lk.com/vb/showthread.php?t=24272)

نجمة 02-12-2024 04:17 AM

بلا اسم ... بقلمي
 
اهش الأغنام بعصاتي وأعود لأحتضان صديقي الحمل الصغير سماوي ، أمه حُميراء بجانبي ، آمنة مطمئنة عليه ، كيف لا وأنا من اعتنيت بهم منذ نعومة أظافري ، أعدت تقبيله ، اليوم آخر يوم لي معهم سأتزوج بعد بضع أسابيع ولم يعد الخروج للشمس مقبولا، هكذا قالت أمي ، ضحكت ، لا أظن أن هذا الوقت سيكفي لمحو أثر التنور من يداي والأشواك من قدمي !
مساء ذلك اليوم انتظرت أخي على جانب الطريق قادما من مدرسته ، انهيت بقية أعمالي ، وقبل النوم كعادته قرأ علي قصة ، أحب سماع القصص ، طالعت الكتاب بحسرة وانا أتمنى لو افهم تلك الخربشات !
مرّت الأسابيع كلمح البصر ، وبات موعد عرسي قريبا ، اليوم بشكل خاص طلب والدي أن احضر له الفطور في الفناء الخلفي ، خطوت خطوات مرتجفة إليه ، لم أرفع عيناي ، قرّبت طعامه ، امسك يدي بدفئ ، لم أرى ملامحه بسبب الدموع التي ملأت مقلتاي ، بدأ يوصيني بنبرة لأول مرة اسمعها ، امسح دموعي علّها تترك لي مجالا لأرى ملامحه ، لأستبدلها بتلك الملامح الجامدة العالقة في عقلي ، لكنها أبت التوقف .

لا اتذكر الكثير من يوم زفافي ، ولم أفهم تصرفاتي يومها ، كأن عقلي خرج عن سيطرته ، اتذكر القطعة الشهية من كبد الخروف التي قدمت كضيافة لنا ، وأنا أنظر لها من خلف الغطاء الأخضر الشفاف الذي حجب عني كل المشاهد و الوجوه ،عدا الروائح الشهية تلك ،حين غفلت أمي عني تسللت يدي لقطعة صغيرة ، رميتها في فمي متناسية امر انيابي التي تتساقط ، أكملت يومي أبكي مغيبة من الألم ، ودعتني أمي وذرفت المزيد من الدموع عليها و على أسناني ، بعدها بلحظات فوجئت بحجابي الذي رفع فجأة وملامح غاضبة تنظر لي قبل أن تعيده كما كان ، تعالت أصوات غاضبة و رجل يصيح
_انها طفلة ، طفلة
ماذا يحدث ؟ قلقت ، ربما هناك طفلة ضائعة ، لن اتحرك من مكاني كما امرتني أمي ، يال الطفلة المسكينة ، أعدت ترتيب غطائي وعاد ألم أسناني بقوة أكبر!
مرّت ساعات قبل أن تعود الخطوات الغاضبة ، نزع حجابي لكن هذه المرّة بالكامل وقد رقت الملامح ملامحه ، حقيقة أن هذا زوجي تخيفني كثيرا ، لطالما دعوت أن أتزوج رجلا بشوش عكس والدي تماما ، يال خيبتي فهذا يشبهه تماما .
_كم عمرك ؟
السؤال المفاجئ أخرجني من أفكاري
_ عشر سنوات.
صوتي بالكاد يسمع ، لذا كرر سؤاله فكررت إجابتي ولعجبي كانت بنفس النبرة لكنه سمعها، رأى على ملامحي الألم وقبل أن يسالني أشرت بخوف على أسناني ، اختفى لدقائق قبل أن يعود
_ هذا قرنقل ضعيه عليها لكن لا تبلعيه
هززت رأسي ، ساعدني في تغيير ملابسي ،سرّح شعري ، بادئ ذي بدء كنت خجولة لكن بشاشته طمئنتي ،ضحكت كما لم اضحك من قبل ، ربما اهذي فأنا بلا نوم ولا وطعام ،لا اتذكر كيف وصلنا لهذا الحال ، أطعمني بعض الحلوى ونمت كأني لم أكن احتضر قبلا من الألم .

توالت الأيام وأصبحت سهرتنا تلك روتين يومي ، هو يقص علي الطرائف وأخبار أسفاره إلى الهند والخليج وما لقيه من عجائب في البحار والغابات هناك وأنا أقص عليه مغامراتي بين الأودية ، عن خرافي ، اسمائهم وعن سماوي اللطيف الذي اشتاقه !
كان يقرأ كتبا كثيرة ، يقرأ لي بعضها وأحيانا افتحها لمشاهدة الصور فيها فحسب ..
_من هذا ؟
سألته حين رأيت صورة على كتاب ما
_ هذا كونفوشيوس
_ اسمه مضحك أكثر من صورته
قلتها مقهقهة
_ هل تريدين تعلم القرآءة ؟
رفعت عيناي له بحيرة
_ سأسافر قريبا وسأترك لك بعض الكتب لتتسلي بها ، حبذا لو تكتبي لي سأكون سعيدا بقرآءة أي شيء عنك .
زادت حيرتي من إصراره ، لكنه كما قال فعل ، تعلمت سريعا ، كنت شغوفة وكأني في حرب مع الزمن لأتعلم قبل رحيله ، وكم كانت فرحتي عظيمة حين بدت لي معاني تلك الخربشات الغامضة المسماة حروف !
بالرغم من لطفه معي الأ أن توجس ما في داخلي بدأ يكبر ، تارةً أراه سارحاً لا ينتبه لي وتارةً أخرى ينظر لي وكأنه ينظر لكبش على وشك أن يُذبح!
هكذا انتهى الحلم ، في غمضة عين طارت الأجنحة التي استظل بها ، وهو يوصيني أن اكتب له كل ما يحصل معي ، لم اعرف معنى كلمته الأ حين شعرت بالمؤامرات التي تحاك ضدي خفية وذلك الدلال الذي عشته ماهو الأ صراع خاضه زوجي كي يتركوني وشأني ، لكنه ببساطة قد رحل .
في البداية لم افهم ، حتى أخبرتني سلفتي أن زواجي كان بسبب دين بين والدي ووالد زوجي، لم اسمع بقية كلامها ، لان تلك الحقيقة صفعتني بلا رحمة !
بعدها صفعتني حماتي حرفياً لمرات كلما تأخرت عن عملي لثوانِ لكن ليس بألم تلك الصفعة ، تألمت ، جعت ، عطشت بفم مبتسم ، كرهت والدي ، أحلم به وهو يلقيني من أعلى الجبل ، صبرت على أمل عودة من يسمى زوجي ، فهو من تبقى لي الآن ، لكن الأشهر تحولت لسنة ثم سنين ، عاد بعد خمس سنوات ، ولم أكتب له رسالة قط .
كنت طفلة بثوب إمرأة بالِ ، برآءتي خدشت لم أعد بذلك النقاء والروح الصافية ، أخذت مني تلك السنوات ما أخذت من ظلم وشتات ، لم أرى اهلي فيها سوى مرتان ، لم يكن يسمح لي بزيارتهم ، نفسي الضائعة ترى فيهم صورة الظلم الذي تحياه .
اصنع الطعام ولا يحق لي اكله ، احلب البقر والأغنام ولا يحق لي شرب حليبها ، اجني المحاصيل ولا آكل الأ فتاتها ، والأسوأ من كل ذلك اجلب الماء ولا اغتسل به ، كان علي الذهاب إلى البئر في جوف الليل وصقيع البرد ، لا نسى نصيحة سلفتي ، غطي وجهك إذا شعرتي بقدوم أحد ، حتى لا يقول في اليوم التالي رأيت فلانة بل سيقول رأيت إحداهنّ ، أذهب وأنا ارتجف من تخيل أن أعيش ذلك الموقف وأعود وأنا ارتجف لساعات شوقا لملامح كدت انساها !

في أجازته القصيرة تلك تعلقت به أكثر ، سألني كثيرا عن السنوات التي خلت لكني أخبرته القليل ، لم أعد أثرثر كالسابق ، خفت أن أقول شيء خاطئ فيطلقني ، سيقتلني والدي ولن يقبل بي أي أحد !
اهداني كتبا جديدة وملابس أخذتها مني حماتي في اليوم التالي ، قطعا ذهبية اختفت ورأيتها بعد أيام تزين عنقها ايضا ، تغيرت معاملتهم لي جذريا ، كنت متأكدة من ذلك ، لم يبقى طويلا بضعة اسابيع وعاد لسفره ، ليخلف وراءه نطفة تنمو في احشائي قلبت حياتي رأسا على عقب ، حملته وهناً على وهن ، حين اتعب تسندني جذوع الشجر والصخور ، كفرس مثقلة من شدة العدو ، استريح عليها قبل أكمل عملي ، سبعة أشهر فقط وبعد معاناة مع المخاض لأيام أنجبت صغيري ،كفرخ حمام بالكاد يتنفس .
صحته تزداد سوءا ، يوجد طبيب في القرية المجاورة ، مسيرة نصف يوم ، لكن لم يهتم أحد ، حين زارتني أمي ورأته ، قالت لي أن لا اتعلق به لأنه سيموت ، توسلت إليها أن يذهبوا به إلى الطبيب لكنها هزت رأسها وعادت في نفس اليوم ، وضعته على صدري برفق ، اتنفس رائحته ، أحاول أن اطمئنه أني معه ، أني أحبه حباً جماً ، رغم أنف الجميع .
اقرأ عليه بعضا من القران وألف القماش عليه ، اقربه لصدري ، اليوم تنتهي نقاهتي وسأعود لعملي ، الكل يخاف لمسه لذلك سآخذه معي ، ابتسمت بأسى وأنا اهمس له .
_ يبدو أننا سنشكل فريقا للمنبوذين ياصغيري .
من رحمة الله بهذا الصغير أن حليبي يكفيه والأ من سيسمح لي بحلب الشاة !
وبمعجزة ربانية أكمل صغيري شهره الثالث ، نمى له حاجبان وأظافر لينة ، لازال يتوسد صدري ليلاً ونهاراً ، ويبتسم لي نادراً كمكأفاة تنسيني تعبي ، لففت قطعة قماش أخرى عليه ، سأذهب لمزرعة خلف الجبل، الطريق طويل ، والشتاء على الأبواب ، أخذت كسرة خبز جافة وقربة ماء ، اغني لصغيري عن غزال نزل لأسفل الوادي واصطاده أحد الصيادين ورثاء والدته له .
انهيت عملي ، جهزت حزمة أعلاف لأخذها معي ، غداً سابقى في البيت ولن أرعى الاغنام اذا أخذتها ، حاولت رفعها ، لكن شعرت بشيء غريب على صدري ، انزلت الحزمة برفق !
لا اشعر بأنفاس صغيري ، لا احس بحركته
" يا رب " همستها طويلا ، ربما هو نائم ! او اغمي عليه ، أحاول إقناع نفسي وأنا أفتح على وجهه لأراه
صدى نشيجي تناقلته الجبال و ألم مرير يتسلل لجوفي ، أنا في كابوس " يا رب " حاولت إرضاعه ، صفعته لمرات ، وجهه الخالي من الحياة واضح للعيان غير أن قلبي يأبى التصديق ، أعدته لمكانه وبدأت المسير ، أقدامي متثاقلة و فؤادي فارغ ، بدا لي أن الشمس أنطفأت وأن الظلام عم الكون .
قبل أن أدخل عتبة الباب قبلت ملامحه ونظرت لها طويلا علّ ذاكرتي تحفظها لي ، سلمته لهم ، دفن صغيري ساعتها.
بت ليلتها في ظلمات غرفتي انظر إلى بقعة من المجهول ، وقبل أن يطلع الفجر وجدتني أقرع باب اهلي حافية من كل شيء ، طبطبت أمي عليّ وهي تذكرني بحاله وأنه عاش أكثر ممن هم في حاله ، شربت حليبا دافئا ولفتني بلحاف دافئ ، دخلت في غيبوبة ما بين الصحوة والنوم ، اسمع صياح يشبه صوت والدي ، لم أفهم منه سوى بضع كلمات
"اخبريها أن تعود لبيت زوجها ، كيف خرجت في منتصف الليل ، ماذا سيقول الناس عنا "
وقبل أن يدخل عليّ وجدتني أركض عائدة ، في الطريق تزاحمت جيوش من الذكريات أمامي معظمها يشق الصخر كمدا .
عدت لأعمالي وكم كانت العودة مريرة ، لأشهر ربطت جذع شجرة على صدري علّها تملأ مكانه ، غابت الشمس أخيرا ، اضرب على الجذع بيدي رامية إياه ،أكفكف دموعي ، استدرت ورأيته أمامي ، مغاضبا كأول لقاء بيننا ، اغمضت عيناي وفتحتها ، لازال أمامي ، هو هنا حقا ، صفعته لسعت خدي ، نزلت أرضا أحتضن نفسي ، ليس هو ايضا ، آخر من تبقى لي ، سأموت لو خذلني !
طوقتني يداه قبل أن تسترسل أفكاري أكثر ، دموعه كقطرات مطر اطفأت جحيم مستعرا داخلي ، أخبرني أن أحد اصدقائه أخبره بما اعانيه وأن طفلنا مريض وأن طريق عودته شاقا كاد فيها يلقى حتفه لمرات !
الطوفان الذي تلى تلك الأيام جرف معه غبار كل تلك السنين ، سمعت فيها ابشع الألفاظ وتلقى زوجي نصيبه من الصفعات لمجرد قوله :
_ سآخذها معي
جمع والده أعيان ومشائخ من القرية في ليلة تحكيم قبلي حرمه من كل ميراثه مقابل أن يأخذني ، لوهلة ظننت انه لن يفعلها لكنه ختم على الحكم كما لو كان يشرب ماءا ، صوت ضمير خافت كاد يصيح فيّ لكني قتلته سأذهب معه لأقصى الأرض لأي مكان يخرجني من دوامة العذاب هذه !
اشرق يوم جديد وأنا أمسك بيده، يحكي لي عن مدينة أعيش فيها بلا ظلم بلا ألم سأقرأ فيها المزيد من الكتب، ونملأ بيتنا الكبير الكثير من الأطفال ، مررنا على قبر صغيري ، ودعناه ، في قفص صغير حبست ذكرياته الثمينة هي الشيء الوحيد الذي سآخذه معي ، سألني إذا كنت أريد توديع والداي لكني هززت رأسي ب " لا " هكذا أكملنا طريقنا إلى المجهول ....

راما 02-12-2024 06:22 AM

رد: بلا اسم ... بقلمي
 
،.
يا الله
قصه تحمل الكثير من الألم والخيبات
نُسجت بأسلوب ممتع وشيّق

سلمتِ غاليتنا
نجمة
ودام نبض قلمك الفريد :399:

♩عـــ الليل ــازف♡ 02-12-2024 07:09 AM

رد: بلا اسم ... بقلمي
 
قصة جميلة ورائعة
الله لا يحرمنا من مواضيعكِ الراقية
وانتظر جديدكِ بفارغ الصبر
ولكِ مني أرق وأجمل التحايا

همس الجواهر 02-12-2024 09:06 AM

رد: بلا اسم ... بقلمي
 
-

مؤلمة هي الخيبات حين تتوالى عليك من أقربهم
قبل أن يأتي بها البعيد، كم هي شائكة دروب الحياة.!

"أقدامي متثاقلة و فؤادي فارغ"

تتوالى علينا الصفعات حتى نعتادها، لتأتي صفعةُ
ليست كسابقاتها لتخلف كتلة من الجمود
تُشعرك بأن كل شي توقف.


إسلوبش مميز جدا في الكتابة نجمة
وتنقلش بين الأحداث، والوصف مُبهر جدااا
ما شاء الله عليش، متحمسه لكتاباتش القادمة ي مبدعة
لش خالص الود والتقدير، الله يسعدش ويوفقش

متأمل 02-12-2024 09:54 AM

رد: بلا اسم ... بقلمي
 
ً
ً

قريت النص وباذن الله اكمل النص الثاني

حقيقة سردك وخيالك وربطك شي عجيب
والاجمل أسلوبك السهل الممتنع ووو الخ

راجع باذن الله لاستكمال الباقي من القصة الرائعة


سلمتِ نجمتنا


تقديري


ِ

أماريلس 02-12-2024 09:54 AM

رد: بلا اسم ... بقلمي
 
مؤلمة من البداية
و حتى النهاية والقصة لا زالت تطرح قضايا واقعية مؤلمة
لكن لا بد من وجود لحظات سعادة ولو قليلة
بسبب ذلك الرجل الحقيقي
الذي عاملها كإنسانة وطفلة، ثم كإمرأة وأعطاها حقوقها..

سرد رائع، سلم قلمك


الساعة الآن 02:38 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
هذا الموقع يستخدم منتجات Weblanca.com
adv helm by : llssll
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
بسرقتك لأفكارنا وجهد اعضاءنا أنت تثبت لنا بأننا الأفضل ..~

This Forum used Arshfny Mod by islam servant