المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التفاؤل والأمل في السيرة النبوية


نور الشمس
02-05-2021, 04:04 PM
اليأس حالة نفسيَّة تعتري الإنسان تحت شدة الفتن والمِحن، وكثرة وتسلُّط الأعداء والظالمين، وقد يصل اليأس بصاحبه إلى القنوط وانقطاع الأمل، قال ابن حجر الهيتمي:" اليأس قد ينضم إليه حالة هي أشد منه، وهي التصميم على عدم وقوع الرحمة له، وهذا هو القنوط بحسب ما دل عليه سياق الآية: {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49)} [فصلت: 49]".

وقد نهى الله عز وجل عن اليأس والقنوط وحذر منهما، فقال سبحانه: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)} [الحجر: 56]، وقال تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)} [يوسف: 87]، قال ابن كثير: "ندب يعقوب عليه السلام بنيه على الذهاب في الأرض يستعلمون أخبار يوسف وأخيه بنيامين.. ونهضهم وبشرهم وأمرهم أن لا ييأسوا من روح الله أي لا يقطعوا رجاءهم وأملهم من الله فيما يرومونه ويقصدونه، فإنه لا يقطع الرجاء ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون".

ونبينا صلى الله عليه وسلم كانَ مُتَفَائِلًا في كل أموره، واثقًا بربه في جميع أوقاته، مُحسنًا بِهِ الظّنّ في كلّ أحواله، وكانت حياته ـ رغم ما فيها من شدة وبلاء ـ مليئة بالأمل والتفاؤل، وحُسن الظَّن بِالله، وقوة اليقين بنصر الله، وكان دائمًا يبشر أصحابه بالنصر والأمن والغنى رغم ما بهم من بلاء وفقر واستضعاف، فعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: " بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ فَقَالَ: (يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ[3]) قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا قَالَ: (فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ) قُلْتُ: فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ (وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى) قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ قَالَ: (كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ".

والسيرة النبوية زاخرة بالمواقف والأحداث التي تبين مدى التفاؤل والأمل، والثقة واليقين بنصر الله عز وجل، الذي كان يتحلى به النبي صلى الله عليه وسلم ويغرسه في نفوس أصحابه والمسلمين من بعدهم، ومنها:

الهجرة النبوية

في حادثة الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالأسباب الظاهرة والمتاحة له، إلا أن المشركين انطلقوا خلفه يرصدون الطرق، ويفتشون في الجبال، حتى وصلوا إليه وهو في غار ثور، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه سير أقدامهم وكلامهم، وهنا خاف ابو بكر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم، وحُقَّ له ذلك، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا فَقَالَ: مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا" .

قال النووي: "معناه ثالثهما بالنصر والمعونة"[6]، وقال ابن الجوزي: "وقوله: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما) أي: بالنصرة والإعانة، أفتظن أن يخذلهما، فرده من النظر إلى الأسباب إلى المُسَبِّب".

وقال ابن عثيمين: "فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصَرَنا، لأننا في الغار تحته، فقال: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما)، وفي كتاب الله أنه قال: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (التوبة:40)، فيكون قال الأمرين كلاهما، أي: قال: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما)، وقال: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا، فقوله: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما) يعني: هل أحد يقدر عليهما بأذية أو غير ذلك؟ والجواب: لا أحد يقدر، لأنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع، ولا مذل لمن أعزَّ ولا معز لمن أذل: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران:26)".

غزوة بدر
مع أن المعادلة العسكرية في غزوة بدر لم تكن متكافئة، فقريش كان عددها ألفًا، معهم مائتا فرس، في حين كان عدد المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، وما كان معهم إلا فرَسان، ومع ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه غارسًا فيهم الأمل والتفاؤل والوثوق واليقين بنصر الله عز وجل لهم، رغم أنهم أقل في العدد والعدة من عدوهم: (سيروا وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم).

غزوة الأحزاب
رغم ما حدث للمسلمين في غزوة الأحزاب من تعب شديد في حفر الخندق، وجوع وخوف وشدة برد، وحصار المشركين لهم في المدينة، وخيانة اليهود، وتخذيل المنافقين وإرجافهم، واشتداد الكرب، حتى قال الله تعالى مصورًا حالهم حينئذٍ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)} [الأحزاب: 9 - 11].

رغم ذلك كله كان النبي صلى الله عليه وسلم يغرس في أصحابه التفاؤل والأمل، والثقة واليقين بنصر الله عز وجل، حتى جاء النصر من عند الله عز وجل وانتصر المسلمين في غزوة الأحزاب انتصارًا عظيمًا، وتحقق لهم كل ما بشرهم به النبي صلى الله عليه وسلم.

غزوة خيبر
عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى خيبر فجاءها ليلًا، وكان إذا جاء قومًا بليل لا يغير عليهم حتى يصبح، فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم (آلات زراعية)، فلما رأوه قالوا محمد والله، محمد والخميس (الجيش)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ"[10]. قال ابن حجر في فتح الباري: "قال السهيلي: يؤخذ من هذا الحديث التفاؤل، لأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى آلات الهدم أَخذ منه أن مدينتهم ستَخرب".

السيرة النبوية مليئة بالبشائر التي تبعث على التفاؤل، وتجدد الأمل، وتقوي اليقين، وتؤكد على حصول التمكين لأمتنا، والنصر لها على أعدائها، على الرغم مما عانته وتعانيه من ابتلاءات في بعض المراحل والأوقات، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِى سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِىَ لِى مِنْهَا "، فالتفاؤل والأمل من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم، وهما نِبراسٌ يضيء الطريق والحياة، وفجرٌ ساطِعٌ في دياجِير الكُرُبات والابتلاءات، وهما كذلك: التفاؤل والأمل ـ مع الأخذ بالأسباب وإعداد العُدّة: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ}(الأنفال:60)، من أسباب الانتصار على الأعداء، وعلى ذلك ربَّى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، فكانوا يرون أن المحن والابتلاءات ليست إلا سحابة صيف، عن قليلٍ تزول وتنقشع بفضل الله تعالى ورحمته، قال الله تعالى: { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) } [الشرح: 5 - 6]، قال السعدي: "بشارة عظيمة، أنه كلما وُجِدَ عُسْرٌ وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جُحْر ضبٍّ لدخل عليه اليُسر، فأخرجه كما قال تعالى: {سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}(الطَّلاق:7)، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا)".

مسترٍيَحٍ آلُبآلُ
02-05-2021, 11:21 PM
يعطيك الف الف عافيه شموسه

عتب خرساء•
02-06-2021, 01:43 AM
جزاك الله خيرا

نور الشمس
02-06-2021, 08:15 AM
يعطيك الف الف عافيه شموسه

جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك
على المرور العطر

نور الشمس
02-06-2021, 08:16 AM
جزاك الله خيرا

جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك
على المرور العطر

ملآئكيه
02-06-2021, 03:44 PM
جُزاكّ الله خُير علىّ مُـا قُدمتّ
ورزُقكّ بُكُل حَرف خّطتهَ أناملكّ جُزيل الحُسناتّ

نور الشمس
02-06-2021, 04:10 PM
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك
على المرور العطر

نبض غلاك
02-06-2021, 05:14 PM
نورالشمس
جزاك الله خير
ربي يجعلها في ميزان حسناتك

نور الشمس
02-06-2021, 07:03 PM
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك
على المرور العطر

رآنيا
02-08-2021, 05:33 AM
طرح رائع ومميز
جزاك الله خير وبارك الله فيك
كل الود :رحيق:

~

نور الشمس
02-08-2021, 09:06 AM
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك
على المرور العطر

عبير
02-09-2021, 12:55 AM
جزاك الله خير

نور الشمس
02-17-2021, 12:47 PM
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك
على المرور العطر

الشمآلي
02-17-2021, 09:19 PM
https://www.sqorebda3.com/vb/attachments/20393/

نور الشمس
02-18-2021, 08:15 AM
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك
على المرور العطر

لوران
02-22-2021, 09:44 PM
جزاك الله الف خير
وجعله بموازين حسناتك