المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعامل مع الرغبات والمشاعر


علي
09-28-2024, 05:50 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
،

مشكلة تواجه الأهل هي أنهم لا يمكنهم أن يستوعبوا الكثير من رغبات أطفالهم ومشاعرهم إلا استيعابا عقليا فقط (أو دعني أسميه تفهما عقليا)، وليس استيعابا شعوريا. فالطفل عندما يريد مثلا أن يعبث بالماء فإن الأهل يستوعبون جزئيا هذه الرغبة؛ لعلمهم العقلي أن الأطفال يحبون العبث بالماء. ولكن شتان بين هذا وبين الاستيعاب الشعوري؛ فهم لم يشعروا بمثل هذه الرغبة إلا عندما كانوا أطفالا، ولعهم قد نسوا تماما هذا الشعور، وإن تذكروه فهو تذكر ناقص جدا، ليس فيه تذكر لكيفية هذا الشعور وكُنهه (أو دعني أقول إنهم لا يمكنهم استشعار هذا الشعور). قارن هذا برغبات أطفالك التي تستطيع أن تستوعبها شعوريا؛ كالرغبة الشديدة في النوم مثلا، فمرجح أنك خلال هذا الأسبوع قد شعرت بهذه الرغبة. ولكن تخيل لو أنك لم تشعر بالرغبة الشديدة في النوم إلا عندما كنت طفلا صغيرا، ألن يكون استيعابك لهذه الرغبة ناقصا جدا؟ ولذلك أظن أن رغبات الأطفال التي يستوعبها الأهل شعوريا أرجى أن ينجح الأهل في التعامل معها من تلك التي يستوعبها الأهل عقليا فقط.

وهذه المشكلة، أعني عدم إمكانية الاستيعاب الشعوري، تحصل أيضا في تعامل الأهل مع أولادهم المراهقين؛ فالأهل يتفهمون مشاعر ورغبات أولادهم المراهقين؛ لعلمهم العقلي أن المراهقين يمرون بمثل هذه الرغبات والمشاعر، ولكن الأهل لا يستطيعون أن يستوعبوا تلك المشاعر والرغبات استيعابا شعوريا بقدر كاف. وقد تكون هذه المشكلة مع المراهقين أقل منها مع الأطفال، ففي حالة المراهقين فإن الأهل قد يتذكرون شيئا من شعورهم عندما كانوا مراهقين، ولكن بالرغم من ذلك فإن هذا التذكر يكون ناقصا بشكل كبير.

وهنا مسألة، فقد يقول قائل: ليس بالضرورة أن يكون تذكر الأهل لمشاعرهم ورغباتهم عندما كانوا في فترة المراهقة ناقصا جدا، ويقول إنه يتذكر جيدا مشاعره ورغباته عندما كان مراهقا. فأقول: المسألة هنا فيها تفصيل دقيق (وأجد صعوبة وعجزا في التعبير عن هذا التفصيل بكلمات، ولكنني سأجتهد قدر المستطاع)، والتفصيل هو أن تذكرك أنك عندما كنت في فترة المراهقة كنت تشعر ببعض المشاعر (الممتعة مثلا) شيء، وتذكرك كيف كانت فعلا تلك المشاعر الممتعة شيء آخر، وأنا أظن أن الذي يحصل هو الأول، أما الثاني فلا يحصل بالقدر الكافي. فقد تتذكر مثلا أنك مررت بمشاعر ممتعة عندما سافرت مرة مع أصدقائك في فترة المراهقة، ولكن لا أظن أنك تتذكر كيف كانت فعلا (أي كيف كانت كيفية وكُنه) تلك المشاعر الممتعة التي خامرتك في تلك السفرة. فإن تلك المشاعر الممتعة كان لها طعم معين وخاص، وكيفية معينة وخاصة وفريدة، وكانت تغمرك وتخامرك بشكل معين وخاص وفريد. وهذه الكيفية التفصيلية والعميقة والفريدة والخاصة للشعور هي التي يصعب تذكرها. وهنا أذكر مثالا قد يناسب ما نتكلم عنه: افترض أنك استمعت مرة قبل عشرين سنة إلى تلاوة جميلة فريدة عجيبة؛ غمرتك بشعور جميل فريد عجيب، فأنت الآن بعد عشرين سنة قد تتذكر تلك الحادثة، وتتذكر أن تلك التلاوة غمرتك بشعور جميل فريد عجيب، ولكنك من الصعب أن تتذكر ذلك الشعور الجميل الفريد العجيب، أي من الصعب أن تتذكر صفة وكيفية ذلك الشعور الجميل الفريد العجيب الذي غمرك.

وأنا أظن أن الكثيرين يعلمون بوجود مشكلة عدم الاستيعاب الشعوري، ولكنني في هذه المقالة حاولت أن أبرزها وأحددها وأوضحها بشكل أكبر. والسؤال هو طبعا: ما الحل لهذه المشكلة؟ أنا للأسف لم يظهر لي حل جذري للمشكلة حتى الآن، ولكن محاولتي قدر المستطاع في هذه المقالة أن أبرز المشكلة وأوضحها قد تأتي بفائدتين: الأولى هي أن هذه المقالة قد تكون حافزا لأحد القراء الكرام أن يبحث عن حل جذري لهذه المشكلة ويجده. الفائدة الثانية هي أن هذه المقالة قد تكون حافزا للمرء ليكون أكثر انتباها لوجود هذه المشكلة، فيتفكر ويسأل نفسه في كل مرة يتعامل فيها مع شعور أو رغبة لطفله أو ولده المراهق؛ هل هذا الشعور أو الرغبة هي من تلك المشاعر والرغبات التي لا يستطيع أن يستوعبها شعوريا؟ فإن كان الجواب هو نعم، كان حذرا جدا في التعامل مع ذلك الشعور أو الرغبة.

والمطلوب هو أن يكون حذر المرء في التعامل مع رغبات ومشاعر طفله أو ولده المراهق التي لا يستوعبها شعوريا مماثلا لحذره في التعامل مع رغباتهم ومشاعرهم التي يستوعبها شعوريا. ولنضرب مثالا على رغبة يستوعبها المرء شعوريا، وهو مثال ذكرناه سابقا، وهو الرغبة الشديدة في النوم، أوليس المرء إذا جاء يوقظ طفله لسبب ما، فقام الطفل يرفض الاستيقاظ ويبكي (مما يدل على أنه عنده رغبة شديدة في النوم في ذلك الوقت)، تفكر في نفسه وتذكر كنه شعوره وكيفيته هو عندما يكون عنده رغبة شديدة في النوم، وكيف أن هذا الشعور والرغبة يكون عجيبا وطاغيا جدا، وكيف أنه يجد عذابا ومشقة شديدة عندما يضطر للاستيقاظ في تلك الحالة، فيتردد كثيرا في إيقاظ طفله، ويجعله يكمل نومه إلا أن يكون السبب الذي جعله يوقظ طفله قاهرا، وإن كان مضطرا لإيقاظ طفله لسبب قاهر؛ فإنه يتلطف أشد التلطف، ويترفق أشد الترفق في إيقاظه للتقليل قدر المستطاع من العذاب والمشقة التي سيمر بها طفله، والتي يعي ويستشعر هو كيف تكون.

فبمثل هذا الحذر ينبغي أن يكون تعامل المرء مع رغبات ومشاعر طفله أو ولده المراهق التي لا يستوعبها شعوريا. ولنضرب مثالا على شعور ورغبة لا يستوعبها المرء استيعابا شعوريا، وهو مثال ذكرناه سابقا، وهو أن الأطفال الصغار يحبون ويستمتعون بالعبث بالماء، وكما ذكرنا فإن الأهل يتفهمون هذه الرغبة والشعور تفهما عقليا، ولكنهم لا يستطيعون استيعاب هذه الرغبة والشعور استيعابا شعوريا. فالمأمول أنه إذا رأى المرء طفله يعبث بالماء، وسمح له أن يواصل العبث قليلا (ومتوقع أن المرء سيسمح لطفله أن يواصل العبث قليلا؛ لتفهمه العقلي لرغبة وشعور طفله، هذا طبعا إذا لم يكون هناك سبب يجعله يرفع طفله عن الماء فورا، ولا يسمح له بالعبث ولو قليلا، كأن يكون وقت الحادثة في فصل الشتاء فيرفعه فورا كي لا يمرض)، ثم جاء يريد أن يرفع طفله عن الماء بعد هذا السماح القليل (والطفل طبعا يرفض ويقاوم ويبكي) قال لنفسه: لحظة! فتفكرَ أنه لا يستطيع أن يستوعب هذه الرغبة والشعور استيعابا شعوريا، وتفكر أن الله وحده يعلم ما كُنه وكيفية الشعور الفريد العجيب الذي يخامر طفله الآن، والذي جعل طفله يجد أن سعادته كلها انحصرت في هذا الشعور، وتفكر أنه لو علم كنه وكيفية هذا الشعور الفريد العجيب لتردد كثيرا في رفع طفله عن الماء، ولجعله يواصل العبث، ولما رفعه عن الماء إلا بعد أن يمل طفله أو لسبب قاهر، فيؤدي به ذلك التفكير إلى أن يطبق ما قاده إليه تفكيره؛ فلا يرفع طفله عن الماء إلا بعد أن يمل الطفلُ أو لسبب قاهر، وإن كان مضطرا لرفعه عن الماء لسبب قاهر فإنه يسلك أنسب السبل لذلك، كأن يداعبه دعابة مثيرة سريعة تذهله عن الماء.

والله أعلم.

أ. ماجد علي القنية
المصدر : موقع الإسلام اليوم.

أمَوآج آلشَرقَيهہْ♥
09-30-2024, 10:28 PM
جميل ماقراءته هنآ ..
يعطيك العافيه على هيك إختيار ..
دمت ودآم عطاءك ..
-

عبير
10-01-2024, 09:06 AM
موضوع جميل وطرح راقي
سلمت يداك وبانتظار جديدك

رآنيا
10-02-2024, 07:56 PM
بارك الله فيك ويعطيك العافية ع الطرح

~

علي
12-17-2024, 07:17 AM
أشكر الجميع على المرور ,, نورتوا المتصفح لاعدمناكم.