المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قَارورة ..


مرجانة
06-08-2020, 10:05 AM
قارورة ..




البحر صديق الخائبين ، صديق المحطَّمين .. رفيق الساهرين و المخذولين .
و أيضاً رفيق المتأملين .. و لأنني أحب تأمل البحر كثيراً أجيئه بين فترةٍ و أخرى .. فهو مكاني المفضل ، الذي أحب الجلوس فيه للاستمتاع برؤية المياه الممتدة و هي تعانق السماء شاسعة المدى .. أهوى النظر في قلب البحر ، و الإصغاء إلى أمواجه .. حين أكتفي من تأملي أتقدم إليه أكثر .. و أسير بقرب المياه مستمتعاً بارتطام الموج بأقدامي .. أسير و أقلب الرمال بقدمي ، و أمد يدي لتفحص بعض الأصداف و الأحجار .. و في عصر اليوم ، و بينما كنت كذلك .. وقع بصري على قارورةٍ زجاجية مغلقة .. كان بداخلها ورقةً مطوية !

ابتسمت و قلت في داخلي " هل يظن البعض أنّ البحر يأخذ برسائلهم بعيداً حتى الآن ؟.. يدفع البحر بأمواجه دائماً باتجاه الشاطئ مما يعني عودة رسائلهم لا محالة "

اقتربت من القارورة و انحنيت إليها .. و انتابني الفضول لمعرفةِ ما كتب في الورقة ، هل هي أمنية ؟.. أم شكوى ؟.. أم رسالة ؟
لم أقاوم فضولي ، فجلست متربعاً على الرمال و المياه تجيئني و تذهب .. و فتحت القارورة و أخرجت الورقة بحذر ؛ خشية أن تتمزق .
فتحت الورقة على مهل .. و أمسكت بها جيداً و أنا أمرر ناظري من أول السطر إلى آخره .. كانت سطوراً ممتلئةً و كثيرة .
عدت للبداية عند السطر الأول .. و قرأت ..

" لا أعرف أين أترك إليك رسالتي ، و لكنني أعرف وجهتك الدائمة إلى أين .. فكثيراً ما تجاور البحر .. و تعلق ناظريك في لوحته ، على صفحات البحرِ و السماء و الشمس .. تتردد على البحر دائماً ، و كأني أراك .. تسير على الشاطئ ، تقلب الرمل بقدميك .. و تتفحص الأصداف بيديك ، ثم تندفع إلى البحر لتخوض أمواجه ثم تعود .. لم تغادر صورتك عيناي ، و أظنك تعلقت بالبحر أكثر مذ أن حال بيننا الفراق .. فلعله كان إليك الرفيق .. و الصديق المخلص و المصغي لأشجانك .. هكذا أظن !
لأنني أعرف مدى عمقك ، مدى صمتك و قوتك .
ما زلت أذكر صمودك ، تجلدك و صبرك ، وجهك العابس ، حاجباك المعقودان ، صلابتك .. و أستطيع أن أتصور كم عانيت كثيراً لتكون بتلك الصورة المتماسكة ذلك اليوم ؛ لترغمني على الذهاب بعيداً .. فمنذ أن شدني والدي من أمامك و أمرك بالانصراف رافضاً أن يتم الزواج .. لم تعد تريد رؤيتي .. و كلما حاولت اللقاء بك صددتني .. فأعود بقلبي الخائب ، أحمل خذلاني لأعانقه و أنتحب .. أعرف أنك لم تتخلَ عن حبك ، و لكنه خوفك عليّ .. فأنا ابنة العم التي كنت تخاف عليها منذ الصغر .. يتساءل البعض إن كان معقولاً أن يولد الحب منذ الطفولة ؟!.. أريد أن أجيبهم بنعم .. فقد كان حبنا كذلك .. نمت أجسادنا و نمى كلاً منا في عقل الاخر .. و ثم في قلبه .. و أنا مؤمنة أن هذا الحب لا يمكن أن ينطفئ أبداً .. لأنه حبٌ راسخ .. علق منذ الصغر .. أتساءل .. هل سيبقى حبك راسخاً كاعتقادي ؟.. أم أنك ستخذلني ؟!
كتبت إليك رسالةً على أمل أن تقرأها .. و أنا أراهن أنها ستصل .. لأن حبي إليك سيلهمك أن تأتي إلى البحر ، و تسير باتجاه رسالتي .. لتقرأ حنيني إليك .. كتبت إليك لا لشيء .. إلا لحاجةٍ للكتابة .. و إثارة السؤال ... هل تحنّ إليّ ؟! "

أنحدرت دمعتين على وجنتي ، و تمتمت بهمس :

- زهور .. زهور ..

و نهضت أدور حولي ، أفتش عن زهور في الأنحاء و أنا أصرخ بصوتي :

- زهور .. أينَ أنتِ !؟

لم يكن على الشاطئ أحد .. لا طيفٌ و مخلوق .. ما كان هنا سواي ، و صوت تلاطم الأمواج يملأ مسامعي .. و لكنها قطعاً كانت هنا ، و هي تعلم تماماً أني سأكون هنا .
استدرتُ و نظرتُ إلى القارورة .. و جلست حيث كنت جالساً .. مددت يدي للقارورة لألتقطها ، فإذا بي ألمح سلسالاً بداخلها .
لفت السلسال انتباهي .. فأنكست القارورة لينزلق السلسال منها إلى راحة يدي ، و نظرتُ إليه .. كان هذا السلسال هديةً مني لها ، و قد أهديتها إياه قبل أن ننفصل ببضعةِ أيام .. قبل أن يحلّ الخصام بينَ والدينا .. لقد هدّ خصامهما كل شيء .. حبنا ، و زواجنا ، آمالنا .. و كذلك نفوسنا .

قبضت على السلسال بقلبٍ معصور .. و رفعته إلى شفتي و أنا أتمتم باكياً :

- زهور ..



مَرجانة

المعتفس
06-08-2020, 10:32 AM
بوح قصصي جميل السرد ،والفحوى، والهدف.
كم من زوجين متحابين زجوا بهما أهل الزوج والزوجة في معركة لاناقة لهم فيها ولاجمل وانتهت بفراقهما.
أشكرك مرجانة على هذه المرجانة
ولا حرمنا جديدك

تحيتي

رآنيا
06-08-2020, 05:04 PM
نهايتها كانت مؤلمة
وكثيرًا ما تعاد نفس القصة باختلاف الاشخاص والأماكن
لا شتت الله بيتًا ولا فرّق ربي بين متحابيّن

اسعدك المولى غاليتي
ونعتذر عن عدم رؤية الموضوع بسبب زحمة المواضيع ماشاء الله
سلم البوح النديّ ولا حرمنا من جديدك

~

ملآئكيه
06-08-2020, 10:22 PM
ابدعتِ بكتابتك ..
جميل م قراته. برغمم موؤلمم نهاية

سلم لنا بوحك الندى ولا يحرمنا جمال قلمك..
دمت ودام حرفك..
لروحك جنائن من الورد والياسمين و اكثر..

نجوممي. 200مشــاركة .تم الاضـافه.:128:

مسترٍيَحٍ آلُبآلُ
06-08-2020, 10:37 PM
ما شاء الله تبارك الله كعداتك دوما ميجووو سرد وبوح اكثر من راقي
شكرا لك سيدتي :11:

مرجانة
06-09-2020, 01:42 AM
بوح قصصي جميل السرد ،والفحوى، والهدف.
كم من زوجين متحابين زجوا بهما أهل الزوج والزوجة في معركة لاناقة لهم فيها ولاجمل وانتهت بفراقهما.
أشكرك مرجانة على هذه المرجانة
ولا حرمنا جديدك

تحيتي

الشكر إليك لمرورك الرائع أخي
ممتنة جداً

دمت بخير ..•

مرجانة
06-09-2020, 01:44 AM
نهايتها كانت مؤلمة
وكثيرًا ما تعاد نفس القصة باختلاف الاشخاص والأماكن
لا شتت الله بيتًا ولا فرّق ربي بين متحابيّن

اسعدك المولى غاليتي
ونعتذر عن عدم رؤية الموضوع بسبب زحمة المواضيع ماشاء الله
سلم البوح النديّ ولا حرمنا من جديدك

~

شكراً للطفك يا سيدة الجمال
و لا داعي للاعتذار فهو ذا حال و طبيعة المنتديات النشيطة
زاد الله و بارك

ممتنة لجمال حضورك
شكراً جزيلاً مع باقة زنبق

دمتِ جميلة ..•

alwafa
06-09-2020, 06:03 PM
•'









أشتقِت لـ قلمج مرجـانتِي ،
استمتعت و انّـا اقرى
عشت الموقف و الششعور الي گتبتِي لنٌّا

يگفي حروفجج ياخذنا لعـالمج
راقت لي


انتظر كل شي يديد منج ،:lo2:

.. إستغراب !
06-09-2020, 06:43 PM

.

نصٌ عميق أدخلني في الشعور به
و كَ أني أرى الموقف أمامي
طغى الصمتُ كثيراً
و سرح الفكرُ بعيداً
يا لِ جمال قلمك وأبجديتُك.

مُرجانة :87:

حرفٌ بهي أعادني مئات السنين
و أعاد ماضٍ لِ عُشاق أساطير قرأنا عنهم .
بِ التأكيد نحنُ موعودون بِ قلمٍ مُبدع
يُخضع الحروف بِ سلاسة وإستسلام،
شُكراً على كمية المُتعة في مُتصفحكِ..

،

إجلاليّ وَ :رحيق: