المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مبتور ، مُكتمل .!


عَسيب
05-27-2021, 10:49 AM
أشار له أحد الجالسين بيده بالتفضل بالجلوس ومشاركته طاولته بعدما سحب المقعد له ،
في مقهى مزدحم بالمسافرين والتائهين وبالمتسولين على خطى العابرين
وبالعابرين ذوي الخطى الراقصة ..
أومئ برأسه بالموافقة وجلس دون أن ينبس أحدهما بكلمة ،
ظل مُمسكاً بحقيبته بحرص شديد بعينين ذابلتين
تُحيط بها هالة من السواد ، اقتات منها السهر ماقتات ..
نصب الخوف والحزن والحذر فيهما خيامهم كأنها قافلة بدو تستوطن الربيع ..
سأله مُضيفه : عفواً ، ماذا تشرب ؟
أعاد عليه السؤال الذي لم يشعر معه بأي استجابة
بعدما ربت على كتفه بيده ..
عزيزي : ماذا تشرب ؟!
شاي .. أشرب الشاي ،
أترغب ببعض الكيك ؟ هذا المتجر يوفر قطع من الكيك يا أخي
منذ أن تضعه على شفتيك وتتحسسه بلسانك لا تجده ،
يذوب بين فكيك وكأنه كرة ثلج سقطت في فم الشمس ،
قال ذلك وهو يريد تشتيت سرحان ذهن ضيفه ..
قاطعه الضيف " شكراً " وواصل حديثه وهو يشير بكلامه للنادل :
فقط شاي بدون سكر وبكوب زجاجي لو سمحت ..
أُحب أن أُشاهد أوراق الشاي وهي تمزج دمها بالماء لي ..
عاد بنظره لسقف المقهى الخشبي المتهالك وهو يرى فيه
صورة مُلونة لصدره المُهشم وقال وهو يحدث نفسه ..
ماذا سيحدث لو وقع هذا السقف/الصدر
على مرتاديه بحقائبهم وأكواب الشاي والقهوة في أياديهم والكيك الذائب في لُعابهم ؟
ضحك وهو يواصل محادثة نفسه ، هه .. لعنة هذه الأسقف أنها تبقى متهالكة يُغذيها الراحلين بأمانيهم ودعواتهم المتهالكة كذلك فلا تسقط ..
قاطعه النادل .. الشاي ..
وهو يصدر صوتاً بضربه بقوة على الطاولة ..
شكراً ..
قال له الضيف بلطف .. تناول الشاي وحسابه مدفوع ، بالمناسبة ..
أيمكنني أن أسألك إن لم تمانع ،
لماذا تُمسك الحقيبة بهذا الشكل الحذر ؟ إن كان بها نقود لماذا لم تضعهم في المصرف المجاور ؟ أجابه بترقب ، لا شيء لا شيء .. دون أن يزيد
أخذ رشفة من الشاي ولفظها وصرخ للنادل ..
ألم أقل لك أني أشربه دون سكر ؟ رد النادل بهدوء :
لكن ياسيدي أنا لم أضف السكر كما طلبت ،
أعاد ارتشافه مرة أخرى ، واعتذر للنادل بخجل ..
أسف أسف يبدوا أني لم ارتشفه جيداً المرة الأولى
ودمعت عينيه وهو يتحسس بلسانه طعم سكر لم يكن مصدره الشاي إنما بقايا قُبلة ..
أدار بوجهه ناحية مضيفه وقال له :
اسمع ؛ هذه الحقيبة ممتلئة بالرسائل ، رسائلي إليها ..
كتبت طوال الخمس السنوات الماضية فيها كل مايمكنني
كتابته لها عن كل شيء .. عني وعنها وعن ماجمعني بها
وعن تعطل إطارات مركبتي وعن تشقق مقدمة حذائي واخبار
الطقس في بلدتي وعن بائع اللوز المحمص الذي لم يعد يمر من أمام منزلي ،
كلها جمعتها وأعادتها لي بل أعادة لي رسائل لم تجد في داخلها مبرر
واحد لتُزيح الشمع عن غطائها وفضلت أن لا تقرأها ..
أعادتها جميعا بهذه الحقيبة بطلب من الله التوفيق والسعادة لي ،
وبقبلة سريعة على إحدى شفتاي لن تعود لتُكملها ولن أعود بعدها أشرب الشاي مُر ،
وسأعود لمدينتي التي لن يُهم أحد بعدها حالة الطقس فيها
وبائع اللوز الذي لا يهم إن كان خلف منزلي أو كان قد مات !
وصلت الحافلة التي ستُقلني لمدينتي ،
شكراً على المقعد وعلى الشاي وعلى وقتك سيدي ،
صعد الحافلة ووضع حقائبه في المخزن المخصص لحقائب الركاب ..
جلس في مقعده المجاور للنافذه ،
وبينما يداه مشغولتين بربط الحزام ونظره يجوب
سقف المقهى المتهالك ،
جاءت فتاة تركض عبر الممر الضيق المجاور للمقهى
تلتفت وكأنها تبحث عن أحداً ما وبيدها رسالة ،
عرفها المضيف وألاح لها بيده ناحية الحافلة ،
شاهدته وشاهدها أفلت الحزام وأمسك النافذة بيديه غير مصدق ..
اعتذر من سائق الحافلة ونزل ، قال لها :
كُنت أعرف أنك ستعودين ،
أعطته الرسالة .. وقالت :
نسيت أن أعيد لك أول رسالة .. أسفة ..
كنت أحتفظ بها بين ملابسي القديمة ولم أنتبه لها ، وغادرت ..
وحان موعد مغادرة الحافلة كذلك وغادرت برسائله
وبقي هو وحيداً جاثماً على ركبتيه وسط الطريق
برسالة وحيدة كان قد كتب فيها يوماً ..
" وحدها القصص العظيمة تكون بدايتها مبتورة ، بنهاية مكتملة " !

ابنة القمر
05-27-2021, 10:50 AM
طرح أنيق وحضور صآخب
سلة من الوردَ وآنحناءة شكر لسموك

حلم
05-27-2021, 11:15 AM
مبتورٌ ي ولدي
وحدها القصص العظيمة تكون حزينه :(

تحيتي ..

عبير
05-27-2021, 12:50 PM
نبض رائع وقلم مميز
سلمت اناملك

نايف
05-27-2021, 03:24 PM
بأي قلم تكتب وبأي اجنحة خيال تحلق
وبأي اسلوب اخذتنا بين السطور
الجميل عسيب :
لأول مره ابحر مع نص يأخذني من كل ماحولي
لأصحو في نقطة مبتوره لكنها مكتملة الجمال ..
اعجابي وتقييمي ونجومي
كلها لاتوازي عزفك الأنيق ي انيق
مع خالص الود،،،

مسترٍيَحٍ آلُبآلُ
05-28-2021, 12:06 AM
بدعت طرق راقي جدا

رايــق
05-28-2021, 10:07 AM
يالك من كاتب مختلف

تُجيد سلب الألباب لفكرتك ...وخطف الأنظار لحروفك

كنت ..ولازلت ..وستبقى ...كاتب من نوع مختلف

كل الشكر و التقدير لك يارائع ...على هذا النص الجميل

دمت بخير

سمو المجد
05-28-2021, 03:25 PM
.



مو طبيعي .!
اقراها كنها للمرة الأولى .؟


كيف الحروف كده تنتشلنا .؟

يديك العافية ...

شو
05-28-2021, 10:31 PM
طرح رائع
شكر لك

فراشة الربيع
05-30-2021, 01:57 PM
فيضَ مَنَ الجَمــالْ الَذي سكبتهْ
تِلَكَ الَـأنــاملْ الَاَلمَــاَسيَةَ ..!
طًرّحٌ مٌخملَي ..,
كُلْ شَئَ مختلفْ هُنــا
يعطَيكـًم العآفية ..ولـآحرَمنآ منَكـًم
بإنتظَآرَجَديِدكًـم بشغفَ

رآنيا
06-06-2021, 02:44 PM
حقدت عليها في نهاية القصة
وكأنه كان ينتظر منها اعادة اول رسالة له !!
وكأنها كانت لتطلق رصاص وصالها على جسد بات خاو من الأمل
لكنها عادت لتبتر كل ما تبقى له مِن امل

اخي عسيب قلمك ممتع وجميل جدًا
ذكرني بقلم احد المبدعين الذين رحلو عنا مِن هنا اسمه انسان بسيط
فلكما نفس الاسلوب تقريبًا
المهم اني اعجبت جدًا بقلمك المبدع
ومتشوقة لقراءة المزيد لك
سلمت وحفظك ربي مِن كل شر

~

عَسيب
06-23-2021, 06:42 PM
الأعزاء جداً


ابنة القمر
حلم
عبير
نايف
مستريح البال
رايق
سمو المجد
شوق المها
فراشة الربيع
رانيا

يعلم الله أني سعيد جداً بهذا التواجد والقراءة والتعقيب
غمرتموني بلطفكم
عظيم الإمتنان لكم 🌸

محال
06-23-2021, 10:09 PM
رغم الشتات والتعب وبمجرد رؤيتها تلاشى كل شيء
إعتقد انها نادمه وانها تريده منه البقاء بجانبها
الا انها كانت اقسى لحظة عاشها قبل مماته

عسيب
رغم انك كنت قاسياً
الا ان قلمك مميز وخيالك رائع
ابدعت في صياغتها ومرونة احداثها
صح بوحك وماقصرت والله يعطيك العافيه
تقييمي 5 ستارز
تحياتي