كانوا يجتمعون في مجلس سمرهم ، ومعهم قصائدهم يعرضونها عليه ، ليُبْدي ملاحظاته ، ويُقيمَ ما اختلَّ من الوزن والمعاني ، فيُوجههم ، ويُرشدهم ، حتى وضعوا أقدامهم على أول الطريق الصحيح ، وذات ليلةٍ أتى إلى مجلس سمرهم ، فلم يجدْ أصحابه -الذين كانوا يعرضون عليه قصائدهم- ، فأمضى ليلته وحيداً ، ومضتْ عدةُ ليالٍ دون حضورهم ، وأتاه فيما بعد من ينبؤه أنهم يقولون : وضعنا أقدامنا على أول الطريق ، ولم نعد بحاجةٍ إليه ، ففي الكتب غَنَاءٌ عن حضور مجلسه ، واجتماعنا معه !
تبسَّمَ ، وقال : ما أَعْجَبَ أمرهم ! كانوا فيما مضى يُكْثرون الاتصال علي ، والبحث عني إن غبتُ عنهم ، ويرسلون التهنئة في المناسبات السعيدة ، أما الآن فجفَّ معينُ المودة ، وغاضَ جدولُ الاهتمام !
ثم مضى ، وهو يقول : مُذْ كنتُ في الثامنة عشرة ، وهناك من يَعْرضُ علي ما يكتبه لأرشده ، وعندما يَمْتَدُّ ناظره إلى أبعد من ظله قليلاً ، يختفي ، أو يَنْسَى ما قُدِّمَ له !
ولم يَعُدْ بعدها يَأْبَهُ للأدب ، ولا لمن أَمَّهُ !