مجتمع غلاك - هذيان الحنين

-

كم تتحايل الذاكرة علي ّ هرباً من مواجهة الحقيقة والواقع ..
تتوارى خلف الجدران ، خلف الأسوار ، خلف أوهام ، وسحب ، ودخان ..

إن أقسى أنواع الذاكرة هو
الحنين إلى إحساس ما ، لحظة من زمان ، أو قطعة مكان

وأقسى أنواع الحنين هو
الرغبة في إيقاف عقارب الزمان عند لحظات عن الاسترسال والدوران

وأقسى أنواع الرغبات هو
العجز التام عن التمرّغ في الحنين ضد حكم دولاب الزمان

كم أحّن إلى
تفاصيل كانت صغيرة ... مهملة ... ضئيلة ...
وأراها اليوم محورا أساسيّا تدور حوله أمور حياتي

كم أحّن إلى
ألوان كانت هامشيّة ... باهتة ... خافتة ...
وهي اليوم جوهر الألوان الرئيسيّة البرّاقة في لوحتي

كم أحّن إلى
كلمات ... ضحكات ... همسات ...
كانت متواضعة ... عابرة ... عاديّة ...
وهي اليوم أساس السعادة والبلاغة في قاموسي ومفرداتي

كم أحّن إلى
روابط كانت واهية ضعيفة منسيّة
وأرى اليوم أنها أوثق الحبال التي تربطني بواقعي واتزّاني

كم أحّن إلى
لحن كان شاردا في فضائي
إلى عبق زهر كان فوّاحا في بستاني
إلى قطرة غيث كانت عذبة من مزن سماء أظلّتني
إلى ضياء كان برّاقا من ثغر نجم ساهر في ليلي

كم أحّن إلى
لحظة فيها راحة بال و فكر ..
وغفوة بعد طول سهد و سهر ..

كم أحّن إلى
أمور وأحوال كانت أمامي وبين يدي ولم أعرها اهتمامي
وأصبحت اليوم حقيقة واقعي ..
ولكنها تسربّت - كرمال ناعمة - من بين أصابعي

كم أحّن إلى
التمرّغ في الحنين ضد ّ حكم دولاب زماني

قد يكون حنيني مجرد هذيان !
ولكنه جزء من الذاكرة تتحايل على أن يظل ّ هذيان لا أكثر ..